موقف ابن القيم من حقيقة الخمر (?) :
أما ابن القيم رحمه الله تعالى فيرى أن بيان حقيقة الخمر شرعاً من المسائل التي طال فيها النزاع وكثر السؤال والجواب. وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل لها حداً أغنانا به عن هذا التعب والتطويل فقال صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر" (?) . فهذا الحد يتناول كل فرد من أفراد المسكر. وقد سماه (خمراً) أفصح الأمة لساناً صلى الله عليه وسلم.
وبيّن أن من خصّ الخمر بنوع خاص من المسكرات، فقد قصر فهمه، وهضم المعنى العام في الخمر- الشامل معناه لكل مسكر، وبالتالي ففي هذا جهل بحدود كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهو من الغلط البيّن على دين الله وشرعه. وإن من نتائج هذا الرأي أنهم لما احتاجوا إلى تحريم كل مسكر سلكوا طريق القياس ونازعهم الآخرون. وكل هذا من نتائج قصور الفهم لحدود الحلال والحرام.
وأرى من الأمانة لحفظ كلامه وسلامة وحدة الموضوع أن أذكر كلامه بنصه
في تقرير هذه القاعدة مع ذكر المثال لها في معرفة حد الخمر من الوضع الشامل من كلامه وهذا نصه من (الأعلام) (?) :
(من المعلوم أن الله سبحانه حد لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه. وذم من
لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله. والذي أنزله هو كلامه. فحدود ما أنزله الله هو الوقوف عند حدّ الاسم الذي علق عليه الحل والحرمة. فإنه هو المنزل على رسوله وحده بما وضع له لغة أو شرعاً. بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه. ولا يخرج منه شيء من موضوعه. ومن المعلوم أن حد البر لا يتناول الخردل. وحد التمر لا يدخل فيه البلوط. وحد الذهب لا يتناول القطن. ولا يختلف الناس أن حد الشيء ما يمنع دخول غيره فيه. ويمنع خروج بعضه منه. وإن أعلم الخلق بالدين