ذلك قوله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ (?) [المائدة/ 60] فهؤلاء اليهود، بدلالة قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ، فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [البقرة/ 65] والضالّون: النصارى، لقوله: وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة/ 77].
فأمّا الخفض في (غَيْرِ)، فعلى ما تقدم ذكره: من البدل أو الصفة. والفصل بين البدل والصفة أنّ البدل في تقدير تكرير العامل. وليس كالصفة، ولكن كأنّه في التقدير من جملتين بدلالة تكرير حرف الجر في قوله: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ [الأعراف/ 75] وبدلالة بدل النكرة من المعرفة، والمظهر من المضمر. وهذا مما لا يجوز في الصفة، فكما أعيدت اللام الجارة في الاسم، فكذلك يكون العامل الرافع أو الناصب في تقدير التكرير. وهو وإن كان كذلك فليس يخرج عن أن يكون فيه تبيين للأول، كما أنّ الصفة كذلك، ولهذا لم يجز سيبويه: بي المسكين كان الأمر، ولا بك المسكين. كما أجاز ذلك في الغائب نحو:
مررت به المسكين. فأما ما ذهب إليه بعض البغداديين في قول الشاعر:
فلأحشأنّك مشقصا ... أوسا أويس من الهبالة