الأَمَةِ دَوْماً، والحُرَّةِ أحياناً، لا يعني جوازَ النظرِ إليها بكلِّ حالٍ، ولما تغيَّرَتِ الحالُ وكثُرَ خروجُ الحرائرِ كخروجِ الإماءِ في الطرقاتِ، اضطَرَبَتِ الأحكامُ، واستَثْقَلَها الناسُ في واقِعِهم.
ولذا؛ فالفقهاءُ يأمُرُون بتغطيةِ المرأةِ لوجهِها ولو لم يَقُلْ جمهورُهم بعورَتِه؛ لأنَّها لا تميِّزُ مَن ينظُرُ إليها ومدى فتنَتِه بها؛ لأنَّ الناظِرِين كثيرٌ، وهي واحدةٌ، وليس كلُّ الناسِ يغُضُّ بصَرَه، لكنْ لو قُدِّرَ أنَّ المرأةَ لا يراها إلا رجلٌ أجنبيٌّ واحدٌ لا يفتَتِنُ مثلُه بها كالكبيرِ العَجُوزِ، أو ذاهبِ الشهوةِ كالعِنِّينِ، جازَ لها كشفُ الوجهِ، وحرُمَ كشفُ شعرِها؛ لأنَّ الوجهَ عورةُ نظَرٍ، فزالَتِ العِلَّةُ، والشعرَ عورةُ سترٍ لا تتعلَّقُ بالفتنةِ؛ بل بمجَرَّدِ وجودِ البصرِ.
لم يتكلَّمْ مالكٌ وأبو حنيفةَ والشافعيُّ في مسألةِ كشفِ المرأةِ لوجهِها لذاتِه، ولا يُعرَفُ هذا في كتبِهم ولا في مسائلِ أصحابِهم المُقَرَّبِينَ منهم، وإنما يتكَلَّمُون في مسألةِ وجهِ المرأةِ وكفَّيْها عندَ تعلُّقِها بمسألةٍ أُخرى مِن العباداتِ أو المعاملاتِ؛ كالصلاةِ والحجِّ، والعُقُودِ