الوجهُ الثاني: أنَّ فِقْهَ السلفِ في غيرِ التفسيرِ في بقيةِ أبوابِ السترِ والنظَرِ، دالٌ على هذا المعنى؛ فقد صحَّ عنِ ابنِ شهابٍ الزُّهْرِيِّ قولُه: «لا بأسَ أن ينظُرَ الرجلُ إلى قُصَّةِ المرأةِ مِن تحتِ الخمارِ، إذا كان ذا مَحْرَمٍ، فأمَّا أنْ تسلَخَ خمارَها عندَه، فلا» (?).
وقال الزهريُّ أيضاً في المرأةِ تسلَخُ خمارَها عند ذي مَحْرَمٍ: «أمَّا أنْ يَرَى الشيءَ مِن دونِ الخمارِ، فلا بأسَ، وأمَّا أن تسلَخَ الخمارَ، فلا»؛ أخرجَه عبدُ الرَّزَّاقِ عن مَعْمَرٍ، عنه، وهو صحيحٌ (?).
ومَن جَمَعَ أقوالَ السلَفِ في جميعِ الأبوابِ، ونظَرَ فيها في سياقٍ واحدٍ، أدرَكَ حجمَ وَرَعِهم وتحفُّظِ نسائِهم، وأدركَ أنهم يَدُورون في دائرةٍ أُخرى مِن العِفَّةِ والاحتياطِ على غيرِ ما يحمِلُه كثيرٌ مِن الكُتَّابِ عنهم؛ فإنَّهم لا يريدونَ مِن معنى الزينةِ التي تتعلَّقُ بالوجهِ وما حولَه للأجانبِ الأبعَدِين، وهم لا يختَلِفُون في جوازِ كشفِ المرأةِ لوجهِها للأقرَبِين، ولا يخوضونَ في ذلك؛ وإنَّما يذكُرُون الوجهَ اختصاراً لإجازةِ زينَتِه تبغاً مِن الكُحْلِ والقُرْطِ، ويذكُرُون