كَقَوْلِ امرئ القيس: وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. الْأَبْيَاتِ. وَقَدِ اسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْأَبْهَمَيْنِ، وَيُقَالُ: الْأَعْمَيَيْنِ - السَّيْلِ وَاللَّيْلِ، وَبِاللَّيْلِ تَدِبُّ الْهَوَامُّ، وَتَثُورُ السِّبَاعُ، وَتُنْشَرُ اللُّصُوصُ، وَتُشَنُّ الْغَارَاتُ، وَتُرْتَكَبُ الْمَعَاصِي وَالْفَاحِشَاتُ ; وَلِذَلِكَ قِيلَ: اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ، وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وُجُوهَ أَعْدَائِهِ، فَقَالَ: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} [يونس: 27] وَكَانَ الحسن يَقُولُ: مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَشَدَّ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] قِيلَ: هُوَ اللَّيْلُ إِذَا أَظْلَمَ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْمِكْثَارِ: حَاطِبُ لَيْلٍ ; لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ نَهْشٍ أَوْ تَنَهُّشٍ، «وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِدَادِ اللَّيْلِ وَصِرَامِ اللَّيْلِ، وَأَمَرَ بِغَلْقِ الْأَبْوَابِ وَكَفِّ الصِّبْيَانِ بِاللَّيْلِ، وَقَالَ: " إِنْ لِلشَّيْطَانِ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً» ، وَافْتَخَرَتِ الْعَرَبُ بِالْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي، فَقَالُوا: يَوْمُ ذِي قَارٍ، وَيَوْمُ كَذَا. وَالْأُسْبُوعُ أَيَّامُهُ مُسَمَّاةٌ دُونَ اللَّيَالِي، فَإِنَّمَا تُذْكَرُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَيَّامِ فَيُقَالُ: لَيْلَةُ الْأَحَدِ، وَلَيْلَةُ كَذَا، وَلَيْسَ الْمُضَافُ كَالْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَالْأَيَّامُ النَّبِيهَةُ أَكْثَرُ مِنَ اللَّيَالِي، كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَالْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ، وَلَيْسَ فِي اللَّيَالِي إِلَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَيْلَةُ نِصْفِ شَعْبَانَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» "، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللَّيَالِي.
وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ ": إِنَّمَا خُلِقَ آدَمُ مِنَ التُّرَابِ دُونَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ آدَمَ شَيْءٌ إِلَّا التُّرَابُ، فَخَلَقَهُ مِنْهُ، ثُمَّ خَلَقَ حواء مِنْ آدَمَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَخَلَقَهَا مِنَ الضِّلْعِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنَ الْعِوَجِ، فَلَا يُطْمَعُ فِي تَقْوِيمِهِنَّ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْأَرْبَعُونَ: فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " سُؤَالٌ: لِمَ رُفِعَ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَصْحَبَ الْمَلَائِكَةَ لِيَحْصُلَ لَهُمْ بَرَكَتُهُ كَمَا صَحِبَهُ التَّائِبُونَ فِي الدُّنْيَا، وَأَيْضًا لِمَا لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ مِنْ بَابِ الشُّهْرَةِ وَخُرُوجُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَنِيَّةِ، بَلْ دَخَلَ مِنْ بَابِ الْقُدْرَةِ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْعِزَّةِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ ": إِنَّمَا سُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ، وَيُقَالُ: وُلِدَ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَيُقَالُ: لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الضُّرَّ عَنِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَكْمَهِ، وَيُقَالُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِقَدَمِهِ أَخْمَصُ. وَزَادَ ابن الأثير فِي " النِّهَايَةِ " مَا نَصُّهُ: وَقِيلَ الْمَسِيحُ: الصِّدِّيقُ، وَقِيلَ هُوَ بِالْعَبْرَانِيَّةِ مَشِيحًا، فَعُرِّبَ. وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُقِيمُ سَبْعَ سِنِينَ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ أَنَّهُ