ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَوَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَا فِي النَّارِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا فِيهَا لَكَانَا أَهْوَنَ عَذَابًا مِنْ أبي طالب؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ مِنْهُ مَكَانًا وَأَبْسَطُ عُذْرًا، فَإِنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا الْبَعْثَةَ وَلَا عَرَضَ عَلَيْهِمَا الْإِسْلَامَ فَامْتَنَعَا بِخِلَافِ أبي طالب، وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا فَلَيْسَ أَبَوَاهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَهَذَا يُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ دَلَالَةَ الْإِشَارَةِ.
نَصْبُ مَيْدَانٍ جَدَلِيٍّ: الْمُجَادِلُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ كَثِيرٌ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِطُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ فَالْكَلَامُ مَعَهُمْ ضَائِعٌ، غَيْرَ أَنِّي أَنْظُرُ الَّذِي يُجَادِلُ وَأُكَلِّمُهُ بِطَرِيقَةٍ تَقْرُبُ مِنْ ذِهْنِهِ، فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مَا عِنْدَهُ أَنْ يَقُولَ: الَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا تَقُولُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُجَادِلُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ أَقُولُ لَهُ: قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْرَأْ فِي الصَّلَاةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنْتَ لَا تُصَحِّحُ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» ) . وَأَنْتَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، تَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مِثْلَهُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا لِعُذْرٍ وَأَنْتَ قَادِرٌ تُصَلِّي خَلْفَهُ قَائِمًا لَا جَالِسًا، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ التَّيَمُّمِ: ( «إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَمَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» ) وَأَنْتَ لَا تَكْتَفِي فِي التَّيَمُّمِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا بِالْمَسْحِ إِلَى الْكُوعَيْنِ، فَكَيْفَ خَالَفْتَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَلَا بُدَّ إِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ رَائِحَةٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ: قَامَتْ أَدِلَّةٌ أُخْرَى مُعَارِضَةٌ لِهَذِهِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهَا، فَأَقُولُ لَهُ: وَهَذَا مِثْلُهُ، لَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِ إِلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَإِنَّهَا مُلْزِمَةٌ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُجَادِلُ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ أَقُولُ لَهُ: قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ) وَأَنْتَ لَا تُثْبِتُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَلَمْ يَمْسَحْ كُلَّ رَأْسِهِ» ، وَأَنْتَ تُوجِبُ فِي الْوُضُوءِ مَسْحَ كُلِّ الرَّأْسِ، فَكَيْفَ خَالَفْتَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ؟ فَيَقُولُ: قَامَتْ أَدِلَّةٌ أُخْرَى مُعَارِضَةٌ لَهُ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ لَهُ: وَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُجَادِلُ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ أَقُولُ لَهُ: قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ( «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» ) وَأَنْتَ لَا تَشْتَرِطُ فِي النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ سَبْعًا، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) وَأَنْتِ تُصَحِّحُ الصَّلَاةَ بِدُونِهَا، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: ( «ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» ) وَأَنْتَ تُصَحِّحُ الصَّلَاةَ بِدُونِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ، وَصَحَّ فِي