كَافِرٌ إِلَى أَنْ بُعِثَ عِيسَى فَكَفَرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ - فَأُمَّهَاتُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّهُنَّ مُؤْمِنَاتٌ - وَأَيْضًا فَغَالِبُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ أَوْ أَوْلَادَ أَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّ النُّبُوَّةَ كَانَتْ تَكُونُ فِي سِبْطٍ مِنْهُمْ يَتَنَاسَلُونَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَأَمَّا الْعَشَرَةُ الْمَذْكُورُونَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَدْ ثَبَتَ إِيمَانُ أم نوح، وَإِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ، وَبَقِيَ أم هود، وَصَالِحٍ، وَلُوطٍ، وَشُعَيْبٍ، يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ أَوْ دَلِيلٍ، وَالظَّاهِرُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إِيمَانُهُنَّ، فَكَذَلِكَ أُمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ مَا يَرَيْنَهُ مِنَ النُّورِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.
أَخْرَجَ أحمد وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ والحاكم وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ» ) وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي رَأَتْهُ أُمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ حَمْلِهَا بِهِ وَوِلَادَتِهَا لَهُ مِنَ الْآيَاتِ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِمَّا رَآهُ سَائِرُ أُمَّهَاتِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا سُقْنَا الْأَخْبَارَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُعْجِزَاتِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ تُرْضِعْهُ مُرْضِعَةٌ إِلَّا أَسْلَمَتْ، قَالَ: وَمُرْضِعَاتُهُ أَرْبَعٌ: أُمُّهُ، وحليمة السعدية، وثويبة، وأم أيمن، انْتَهَى.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا تَصْنَعُ بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى كُفْرِهَا وَأَنَّهَا فِي النَّارِ، وَهِيَ حَدِيثُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ؟ فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119] وَحَدِيثُ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ لِأُمِّهِ فَضَرَبَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: لَا تَسْتَغْفِرْ لِمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا» ، وَحَدِيثُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] وَحَدِيثُ أَنَّهُ قَالَ لابني مليكة: ( «أُمُّكُمَا فِي النَّارِ، فَشَقَّ عَلَيْهِمَا فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَعَ أُمِّكُمَا» ) قُلْتُ: الْجَوَابُ أَنَّ غَالِبَ مَا يُرْوَى مِنْ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي أُمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى حَدِيثِ ( «أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ» ) وَلَمْ يَصِحَّ أَيْضًا فِي أَبِيهِ إِلَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ خَاصَّةً، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُمَا، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتَ، فَحَدِيثُ: ( «لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ؟) فَنَزَلَتِ الْآيَةُ» ، لَمْ يُخَرَّجْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ [الْحَدِيثِ] الْمُعْتَمَدَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَوْ جِئْنَا نَحْتَجُّ بِالْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ لَعَارَضْنَاكَ بِحَدِيثٍ وَاهٍ أَخْرَجَهُ ابن الجوزي مِنْ حَدِيثِ علي مَرْفُوعًا ( «هَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَيَّ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ