قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ".
وَأَخْرَجَ أبو يعلى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213] قَالَ: عَلَى الْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْهُدَى وَعَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا، وَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. وَأَخْرَجَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى آدَمَ مِنَ الْآبَاءِ كَانُوا عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَأَخْرَجَ ابن سعد مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عكرمة قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَفِي التَّنْزِيلِ حِكَايَةٌ عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: 28] وَوَلَدُ نُوحٍ سام مُؤْمِنٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ نَجَا مَعَ أَبِيهِ فِي السَّفِينَةِ وَلَمْ يَنْجُ فِيهَا إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] بَلْ وَرَدَ فِي أَثَرٍ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، أَخْرَجَهُ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الْمُوَفَقِيَّاتِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنِ الكلبي، وَوَلَدُهُ أرفخشد صُرِّحَ بِإِيمَانِهِ فِي أَثَرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابن عبد الحكم فِي تَارِيخِ مِصْرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ جَدَّهُ نُوحًا وَأَنَّهُ دَعَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالنُّبُوَّةَ فِي وَلَدِهِ وَلَدِ أرفخشد إِلَى تارح، وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِإِيمَانِهِمْ فِي أَثَرٍ، وَأَخْرَجَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ الكلبي عَنْ أبي صالح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا هَبَطَ مِنَ السَّفِينَةِ هَبَطَ إِلَى قَرْيَةٍ فَبَنَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَيْتًا فَسُمِّيَتْ سُوقَ الثَمَانِينَ فَغَرِقَ بَنُو قَابِيلَ كُلُّهُمْ، وَمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى آدَمَ مِنَ الْآبَاءِ كَانُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا ضَاقَتْ بِهِمْ سُوقُ الثَمَانِينَ تَحَوَّلُوا إِلَى بَابِلَ فَبَنَوْهَا فَكَثُرُوا بِهَا حَتَّى بَلَغُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَزَالُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ بِبَابِلَ حَتَّى مَلَكَهُمْ نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، فَدَعَاهُمْ نمروذ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَفَعَلُوا، هَذَا لَفْظُ هَذَا الْأَثَرِ.
فَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ أَجْدَادَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِيَقِينٍ مِنْ آدَمَ إِلَى زَمَنِ نمروذ، وَفِي زَمَنِهِ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وآزر، فَإِنْ كَانَ آزر وَالِدَ إِبْرَاهِيمَ فَيُسْتَثْنَى مِنْ سِلْسِلَةِ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ عَمَّهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ، وَهَذَا الْقَوْلُ - أَعْنِي أَنْ آزر لَيْسَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ - وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74]