الحاوي للفتاوي (صفحة 699)

التَّكْلِيفِ وَالتَّعَبُّدِ، لَكِنَّهُ شَبَّهَهَا بِهَا لِصُعُوبَتِهَا وَعِظَمِ الْمِحْنَةِ بِهَا، وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ مَعَهَا، انْتَهَى.

إِذَا عَرَفْتَ الْمَقْصُودَ مِنَ السُّؤَالِ عَرَفْتَ مِنْهُ حِكْمَةَ التَّكْرِيرِ، أَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ التَّكْرِيرَ أَبْلَغُ فِي إِظْهَارِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى وَخُصُوصِيَّتِهِ وَمَكَانَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ الْعُرُوجِ بِالرُّوحِ إِلَى عِلِّيِّينَ وَالْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَالِيَةٌ لَا تُدْرَكُ بِالْهُوَيْنَا» . وَلِهَذَا جُعِلَ الصِّرَاطُ الَّذِي هُوَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقُّ مِنَ الشَّعَرِ طَرِيقًا إِلَى وُصُولِ الْإِنْسَانِ إِلَيْهَا بِبَدَنِهِ، وَلَا شَكَّ فِي شِدَّةِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ عِوَضَهُ لِوُصُولِ الرُّوحِ إِلَيْهَا تَكْرِيرَ الْفِتْنَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ الحليمي نَظِيرَ الْإِيقَافِ عَلَى الصِّرَاطِ.

وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ مَا يَقْتَضِي التَّشْدِيدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ حَيْثُ اكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ وَكَفَّرَ عَنْهُ بِهِ، وَلَوْ شَاءَ لَانْتَقَمَ مِنْهُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنَ السُّؤَالِ بِكَثِيرٍ، وَلَكِنَّهُ لَطَفَ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَفَّرَ عَنْهُمُ الصَّغَائِرَ بِمُقَاسَاةِ أَهْوَالِ السُّؤَالِ وَنَحْوِهِ، وَخَصَّ عَذَابَ الْقَبْرِ بِالْكَبَائِرِ، وَنَظِيرُهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْزِيرٌ، فَصُولِحَ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْإِغْلَاظِ فِي الْقَوْلِ وَالِانْتِهَارِ رَحْمَةً لَهُ وَرِفْقًا بِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ يُكْتَفَى فِي تَعْزِيرِهِمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ أَنَّ فِتْنَةَ الْقَبْرِ أَشَدُّ فِتْنَةً تُعْرَضُ عَلَى الْمُوقِنِ، فَمِنْ تَمَامِ شِدَّتِهَا تَكْرِيرُهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: إِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْعَدَدِ بِخُصُوصِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ السَّبْعَ وَالثَّلَاثَ لَهُمَا نَظَرٌ فِي الشَّرْعِ، فَمَا أُرِيدَ تَكْرِيرُهُ فَإِنَّهُ يُكَرَّرُ فِي الْغَالِبِ ثَلَاثًا، فَإِذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَكْرِيرِهِ كُرِّرَ سَبْعًا؛ وَلِهَذَا كُرِّرَتِ الطَّهَارَةُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ثَلَاثًا، وَلَمَّا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَهَارَةِ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ كُرِّرَتْ سَبْعًا، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ جُعِلَ تَكْرِيرُهَا سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ نَوْعَيِ التَّكْرِيرِ وَأَبْلَغُهُ، وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ أَنَّ اسْتِعْرَاضَ الْأَعْمَالِ عَلَى الصِّرَاطِ يَكُونُ عَلَى سَبْعِ عَقَبَاتٍ، وَيُرْوَى عَلَى سَبْعِ قَنَاطِرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الحليمي أَنَّهُ جَعَلَ سُؤَالَ الْقَبْرِ نَظِيرَ إِيقَافِهِ عَلَى الصِّرَاطِ، فَكَانَ السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ عَلَى نَمَطِ السُّؤَالِ عَلَى الصِّرَاطِ فِي سَبْعَةِ أَمْكِنَةٍ.

وَمُنَاسَبَةٌ ثَالِثَةٌ: وَهِيَ أَنَّ الْغَالِبَ الْوُقُوعِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَكُونُ ثَلَاثًا، وَالنَّادِرَ الْوُقُوعِ يَكُونُ سَبْعًا؛ وَلِهَذَا كَانَتْ غَسَلَاتُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَتَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَأَشْوَاطُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَكْبِيرَاتُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015