الحاوي للفتاوي (صفحة 503)

سِقَايَةً لِلشُّرْبِ فِي رَحَبَةِ الْجَامِعِ الطُّولُونِيِّ وَفَتَحَ لَهُ شُبَّاكًا فِي الْجِدَارِ الْمُحَوِّطِ عَلَى الرَّحَبَةِ لِيُسَهِّلَ شُرْبَ الْمَارِّينَ مِنْهَا، وَهَذَا الْفَتْحُ جَائِزٌ هُنَا لِوُجُودِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَعَدَمِ نَصٍّ مِنَ الْوَاقِفِ عَلَى مَنْعِهِ، وَلَوْ أَرَادَ السُّلْطَانُ الْآنَ الزِّيَادَةَ فِي عِدَّةِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ لَجَازَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَالثَّانِي الرَّدُّ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا، فَسَيَأْتِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِشْرُونَ بَابًا.

فَائِدَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْكِتَابَ: قَالَ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَرْعٌ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ آخِرِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ قَالَ: «بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا أَوْ يَزِيدُ،» قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: جَعَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ طُولَ الْمَسْجِدِ مِائَةً وَسِتِّينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهُ فِي مُقَدِّمَه مِائَتَيْنِ وَفِي مُؤَخَّرِهِ ثَمَانِينَ، زَادَ فِيهِ المهدي مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ فَقَطْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَجَعَلَ أَبْوَابَهُ سِتَّةً، كَمَا كَانَتْ فِي زَمَنِ عمر، وَزَادَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَعَلَ طُولَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهُ دُونَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ، هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَخْرَجَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَرَكَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي فِيهِ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدُ السهل وسهيل - غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ - وَكَانَا فِي حِجْرِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، فَابْتَاعَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَمَرَ أبا بكر أَنْ يُعْطِيَهُمَا ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ الَّذِي فِي الْحَدِيقَةِ وَبِالْغَرْقَدِ الَّذِي فِيهِ أَنْ يُقْطَعَ، وَأَمَرَ بِاللَّبِنِ فَضُرِبَ، وَكَانَ فِي الْمِرْبَدِ قُبُورُ جَاهِلِيَّةٍ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُبِشَتْ، وَأَمَرَ الْعِظَامَ أَنْ تُغَيَّبَ، وَكَانَ فِي الْمِرْبَدِ مَاءٌ مُسْتَحَلٌّ فَسَيَّرُوهُ حَتَّى ذَهَبَ وَأَسَّسُوا الْمَسْجِدَ فَجَعَلُوا طُولَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ إِلَى مُؤَخَّرِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَفِي هَذَيْنِ الْجَانِبَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُرَبَّعٌ، وَيُقَالُ: كَانَ أَقَلَّ مِنَ الْمِائَةِ وَجَعَلُوا الْأَسَاسَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ عَلَى الْأَرْضِ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ بَنَوْهُ بِاللَّبِنِ وَبَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَجَعَلَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ

وَجَعَلَ يَقُولُ:

هَذَا الْحَمَّالُ لَا حَمَّالُ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبْرَرُ بِنَا وَأَطْهَرْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015