وَتَأْنِيثُ هَذِهِ خَيْرَةٌ وَجَمْعُهَا خَيْرَاتٌ، وَهِيَ الْفَاضِلَاتُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ تَعَالَى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70] {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} [التوبة: 88] ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ مَعْنَى أَفْعَلَ، فَلَوْ أَرَدْتَ مَعْنَى التَّفْضِيلِ قُلْتَ: فُلَانَةُ خَيْرُ النَّاسِ، وَلَمْ تَقُلْ: خَيْرَةُ، وَلَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى أَفْعَلَ. انْتَهَى كَلَامُ الصِّحَاحِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُقَالَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا اسْمَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] الثَّانِي أَنْ يَكُونَا وَصْفَيْنِ، وَتَقْدِيرُهُمَا تَقْدِيرُ أَفْعَلَ، مِنْ نَحْوِ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ ذَاكَ وَأَفْضَلُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] وَيَحْتَمِلُ الِاسْمِيَّةَ وَالْوَصْفِيَّةَ مَعًا قَوْلُهُ تَعَالَى: [ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَقَالَ أبو حيان فِي تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:] {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} [البقرة: 103] لَيْسَ خَيْرٌ هُنَا أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ، بَلْ هِيَ لِلتَّفْضِيلِ لَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ} [فصلت: 40] وَ {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] وَفِي قَوْلِ حسان:
فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
انْتَهَى.
إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فَخَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ يُرَادُ بِهَا التَّفْضِيلُ لَا الْأَفْضَلِيَّةُ، فَلَا تُوصَلُ بِمِنْ، وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى أَفْعَلَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ، لَا أَنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا، وَلَا أَنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا.
مَسْأَلَةٌ:
مَاذَا جَوَابُ إِمَامٍ لَا نَظِيرَ لَهُ ... فِي الْعَصْرِ كَلَّا وَلَا فِي سَالِفِ الدَّهْرِ
فِي الْحَافِظَيْنِ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذْ كَتَبَا ... هَلْ بِالْمِدَادِ وَحِبْرٍ عُدَّ لِلْبَشَرِ
وَكَاغَدٍ يَكْتُبَا مَا كَانَ مَعْ قَلَمٍ ... أَوْ لَا كَذَلِكَ يَا مَنْ ضَاءَ كَالْقَمَرِ
أَثَابَكُمْ رَبُّكُمْ جَنَّاتِهِ كَرَمًا ... بِجَاهِ خَيْرِ الْوَرَى الْمَبْعُوثِ مِنْ مُضَرِ
الْجَوَابُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا غَيْرَ مُنْحَصِرِ ... ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ
مِدَادُهُ الرِّيقُ فِيمَا قَدْ أَتَى وَلِسَا ... نُ الْخَلْقِ أَقْلَامُهُمْ قَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ
وَفِي الصَّحِيفَةِ كَتْبٌ وَالْبِطَاقَةِ جَا ... مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ جِنْسٍ صَحَّ فِي الْخَبَرِ