الحاوي للفتاوي (صفحة 388)

أَفْضَلِيَّةِ الصديق، كَكُتُبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وابن فورك والباقلاني وَالشَّهْرَسْتَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، وَيَتْعَبَ كُلَّ التَّعَبِ وَيَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، وَيَعْتَزِلَ الرَّاحَةَ وَالشُّغْلَ، وَلَا يَسْأَمَ وَلَا يَضْجَرَ، وَيَدَعَ الْفُتْيَا تَمْكُثُ عِنْدَهُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالْعَامَ وَالْعَامَيْنِ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنَظَرَ وَحَقَّقَ وَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ إِشْكَالٍ وَأَعَدَّ لَهُ الْجَوَابَ الْمَقْبُولَ، حَطَمَ حِينَئِذٍ عَلَى الْكِتَابَةِ وَحَكَمَ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَفَصَلَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا الِاسْتِعْجَالُ فِي الْجَوَابِ وَالْكِتَابَةِ بِمُجَرَّدِ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ وَيَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، مَعَ الرَّاحَةِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى الشُّهْرَةِ، وَعَدَمِ التَّضَلُّعِ بِذَلِكَ الْفَنِّ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ، وَلِهَذَا تَجِدُ الْوَاحِدَ مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يَكْتُبُ وَيَرْجِعُ وَيَتَزَلْزَلُ بِأَدْنَى زَلْزَلَةٍ، وَيَضْطَرِبُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ مَرَّاتٍ، وَيَبْحَثُ مَعَهُ أَدْنَى الطَّلَبَةِ فَيُشَكِّكُهُ، وَأَكْثَرُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا صَمَّمَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ كَذَا أَوْ كَذَا، أَوْ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي، مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى مُسْتَنَدٍ بِيَدِهِ أَوْ حُجَّةٍ يُظْهِرُهَا، كَأَنَّهُ الشَّيْخُ أبو الحسن الشاذلي إِمَامُ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ فِي زَمَانِهِ الَّذِي كَانَ يُسْأَلُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْإِلْهَامِ الْوَاقِعِ فِي قَلْبِهِ، ذَاكَ إِلْهَامُهُ صَوَابٌ لَا يُخْطِئُ، وَبَعْدَ مَوْتَاتٍ مَاتَهَا فِي اللَّهِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّ الْمُفْتِيَ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّبِيبِ، يَنْظُرُ فِي الْوَاقِعَةِ وَيَذْكُرُ فِيهَا مَا يَلِيقُ بِهَا بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ وَالشَّخْصِ وَالزَّمَانِ، فَالْمُفْتِي طَبِيبُ الْأَدْيَانِ، وَذَلِكَ طَبِيبُ الْأَبْدَانِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَحْكَامٌ بِحَسَبِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ. قَالَ السبكي: لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ، بَلْ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ الْحَادِثَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ أُمُورٍ حُكْمٌ لَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَإِذَا حَدَثَتْ صُورَةٌ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِيهَا، فَقَدْ يَكُونُ مَجْمُوعُهَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ لَهُ حُكْمًا خَاصًّا. هَذَا كَلَامُ السبكي، قَرَّرَهُ فِي كِتَابٍ أَلَّفَهُ فِي شَأْنِ رَافِضِيٍّ حَكَمَ بِقَتْلِهِ، وَسَمَّاهُ غَيْرَةَ الْإِيمَانِ الْجَلِيِّ لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وَقَالَ السبكي أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ مَا مَعْنَاهُ: يُوجَدُ فِي فَتَاوِي الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَشْيَاءُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ صُورَةٍ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى وَقَائِعَ، فَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ تِلْكَ الْوَقَائِعَ يُسْتَحَقُّ أَنْ يُفْتَى بِهَا بِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُ ذَلِكَ وَاسْتِمْرَارُهُ، وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا تَتَعَلَّقُ بِرَافِضِيٍّ، وَلَيْتَهُ رَافِضِيٌّ فَقَطْ، بَلْ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ مِنْ كِبَارِ الْجَهَلَةِ، وَلَقَدِ اجْتَمَعْتُ بِهِ مَرَّةً فَرَأَيْتُ مِنْهُ الْعَجَبَ مِنْ إِنْكَارِهِ الِاحْتِجَاجَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدِّ أَقْوَالِهِ الشَّرِيفَةِ، وَيَقُولُ لَعَنَهُ اللَّهُ وَفَضَّ فَاهُ: النَّبِيُّ وَاسِطِيٌّ، مَا قَالَهُ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ فَصَحِيحٌ، وَمَا قَالَهُ وَلَيْسَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015