أَن سَبَب سرعَة عفنه هُوَ أَن يجْتَمع من مَوَاضِع شَتَّى وَأَن الْأَشْيَاء الَّتِي تكون مجتمعة من أَشْيَاء شَتَّى أسهل عفونة وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك عِنْدِي لَكِن سرعته فِي العفن إِنَّمَا هُوَ لأجل لطافته لِأَن قَالَ: فماء الْمَطَر أَجود الْمِيَاه كلهَا مَا دَامَ لم تعرض لَهُ رَائِحَة ردية فانه إِن حدث لَهُ ذَلِك أورث بموجة وسعالا وَثقل الصَّوْت وَهَذِه الْمِيَاه أَعنِي مَاء الْمَطَر إِذا طبخ لم يغن عَنهُ الطَّبْخ شَيْئا.
وَإِذا بَدَأَ يعفن بَدَت فِيهِ رَائِحَة الشَّرَاب ويتخذ مِنْهُ الشَّرَاب الَّذِي يُقَال لَهُ: أدرومالى فيصلح لَهُ حِينَئِذٍ. وَإِن صَبر عَلَيْهِ انفشت عَنهُ العفونة وَإِن شرب والعفن فِيهِ قَائِم أورث مَا قَالَ. وَلم يخبر بالعلل.
قَالَ: وَأما الْمِيَاه الَّتِي إِنَّمَا هِيَ جليد وثلج ذاب فانها كلهَا ردية لِأَنَّهَا إِذا جمدت مرّة لم ترجع إِلَى طبعها الأول لِأَن مَا كَانَ مِنْهَا خَفِيفا انْقَلب من الخفة وَمَا كَانَ من المَاء كدرا بَقِي على حَاله. وَيعلم ذَلِك أَنَّك إِن أخذت من مَاء وجمدته ثمَّ حللته فِي الشَّمْس وجدته قد نقص نُقْصَانا كثيرا.
قَالَ: فَهَذِهِ دلَالَة على أَن لطيف المَاء ينفش وَلَا يَقع عَلَيْهِ الجمود وَإِنَّمَا يجمد مَا فِيهِ من الغلظ.
قَالَ ج: يُوَافق أبقراط على هَذَا أرسطاطاليس وفلاطن فِي أَن لطيف المَاء لَا يجمد ويتحلل عِنْد الجمود وينفش ويبقي الكدر الغليظ فِيهِ فيجمد.
لى لَيْسَ هَذَا قِيَاسا صَحِيحا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُوزن قدح مَاء ثمَّ يجمد ويوزن وَهُوَ جامد فان نقص وَزنه فَذَاك. فَأَما ان يذوّب بعد الجمود فان ذَلِك النُّقْصَان إِنَّمَا لحقه عِنْد الذوب لَا عِنْد وَقَالَ أبقراط: المَاء الَّذِي يكون من الثلوج وكل مَا يَنْبع فَذَلِك أردأ الْمِيَاه.
وَقَالَ ج: يَعْنِي بِمَا تنبع تِلْكَ الْمِيَاه الَّتِي هِيَ بَارِدَة كبرد الثَّلج والجليد فان هَذِه قريبَة من تِلْكَ)
وَإِن لم تكن ذَابَتْ مِنْهَا لِأَنَّهَا غَلِيظَة جاسية بطيئة النضج وَأكْثر مَا تكون هَذِه الْمِيَاه نَحْو الفرقدين وَلَا تشرق عَلَيْهَا الشَّمْس بِقُوَّة فَتكون غَلِيظَة وجاسية.
قَالَ: فَأَما المَاء الَّذِي يجْتَمع من مياه كَثِيرَة وسيول كَثِيرَة مُخْتَلفَة يجْتَمع فِي بحيرة أَو نهر من مَوَاضِع شَتَّى مُخْتَلفَة فَتكون بَعْضهَا مياها حلوة وَبَعضهَا مالحة فاذا اخْتلطت كلهَا غلت فِي حَال بعد حَال وريح بعد ريح مَا بعد مِنْهَا عَلَيْهَا فان بَعْضهَا يتعفن بِبَعْض الرِّيَاح فَمِنْهَا مَا يعفن بالشمال وَمِنْهَا مَا يعفن بالجنوب وَهِي أَيْضا عكرة الثفل. ويعرض لشاربها وجع الخاصرة والورك والأدرة.