يعرض هَذَا فِي الحميات الطَّوِيلَة النّوبَة لِأَن الْحمى إِذا كَانَ قدر النّوبَة فِيهَا اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة فَلَا بُد أَن تكون مركبة من جميات كَثِيرَة وَإِلَّا لم تتصل وَلم تدم.
قَالَ وَرَأَيْت فَتى ابتدأت بِهِ حمى فِي آخر الخريف نَحْو السَّاعَة الْخَامِسَة ثمَّ عرق عِنْد الْعشَاء الْآخِرَة عرقاً يَسِيرا ثمَّ ابتدأت بِهِ نَحْو السَّاعَة السَّابِعَة من اللَّيْل قبل أَن تقلع عَنهُ الْحمى إقلاعاً تَاما ابتدأت تَأْخُذهُ حمى أُخْرَى بنافض يسير وعرق فِي الْيَوْم الثَّانِي قَلِيل وعاودته الْحمى أَيْضا نَحْو السَّاعَة الْعَاشِرَة ثمَّ عرق أَيْضا فِي اللَّيْل على مِثَال مَا كَانَ عرق ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّالِث ابتدأت تَأْخُذهُ نَحْو السَّاعَة الثَّانِيَة حمى مَعهَا نافض قبل أَن تقلع بقايا الْحمى الَّتِي كَانَت قبلهَا تفقدت جَمِيع شَوَاهِد هَذِه الْحمى فسنح لي أَنَّهَا مركبة من ثَلَاث حميات كلهَا غب. وَذَلِكَ أَن الْحمى ابتدأت فِي أول يَوْم فِي السَّاعَة الْخَامِسَة وَالَّتِي ابتدأت بعْدهَا فِي السَّاعَة السَّابِعَة من اللَّيْل وَالَّتِي ابتدأت فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من الْيَوْم الثَّانِي كَانَت فِي النبض وحرارة الْحمى مثل حمى الغب وَكَانَ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نافض وعرق لكنه لم تقلع وَاحِدَة مِنْهُمَا من قبل أَن النّوبَة الثَّالِثَة لَهَا كَانَت تَأتي قبل إقلاعها وَلَو تَأَخَّرت نوبَة الْحمى الثَّانِيَة نَحْو ثَلَاث سَاعَات أخر أَو أَربع لكَانَتْ الْحمى ستقلع ألف هـ حَتَّى يَخْلُو مِنْهَا الْبدن فَتبين لي فِي أَمر هَذِه الْحمى أما فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِنَّهَا مركبة من حميات تقلع وَأَنَّهَا غب وَفِي الْيَوْم الثَّالِث يتَبَيَّن لي أَن نوائبها كَانَت تتقدم وَذَلِكَ أَن نوبَة الْحمى فِي الْيَوْم الثَّالِث ابتدأت فِي السَّاعَة الثَّانِيَة لَا فِي الْخَامِسَة كَمَا ابتدأت فِي أول يَوْم وَكَانَت عَلَامَات الغب كلهَا فِي هَذَا الْيَوْم الثَّانِي أبين مِمَّا كَانَت فِي الْيَوْم الأول ثمَّ تفقدت سَائِر النوائب فَوَجَدتهَا جَمِيعهَا تتقدم بساعتين أَو ثَلَاث سَاعَات حَتَّى أَن النّوبَة الْمُنَاسبَة للنوبة الأولى دارت فابتدأت فِي الْيَوْم الْخَامِس مَعَ طُلُوع الشَّمْس وَفِي الْيَوْم السَّابِع قبل ذَلِك الْوَقْت بِمِقْدَار صَالح نَحْو السَّاعَة التَّاسِعَة من اللَّيْل فَرَأَيْت أَن النّوبَة الَّتِي بعْدهَا ابتدأت فِي السَّاعَة الْخَامِسَة ثمَّ فِي السَّاعَة السَّابِعَة ثمَّ ابتدأت النّوبَة الْعَاشِرَة من أول مرض فِي السَّاعَة الثَّامِنَة وعَلى هَذَا قِيَاس نَوَائِب هَذِه الْحمى فَإِن نَوَائِب الحميين الْأُخْرَيَيْنِ أَيْضا من بعد الدّور السَّابِع كفت عَن)
التَّقَدُّم وَجعلت تتأخر. وَعند ذَلِك ظهر عِنْد من ظن أَن حمى هَذِه انطريطاوس أَنه قد غلط وَذَلِكَ أَن طول النوائب تنقصت حَتَّى صَار مقدارها ثَمَان سَاعَات وَكَانَت النوائب أَيْضا لَا تبتدئ كَمَا كَانَت تبتدئ على طَرِيق التَّقَدُّم. لَكِنَّهَا تتأخر بساعتين فَجعلت النوائب تنقلع إقلاعاً تَاما ثمَّ أَن طول نوائبها أَيْضا تنقص قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى انتقصت كل وَاحِدَة من الحميات الثَّلَاث وَكَانَت أول حمى انقصت مِنْهَا أقلهَا ثمَّ انْقَضتْ مُنْذُ أول الْأَمر ثَلَاث حميات كلهَا غب.
قَالَ: وَجُمْلَة أَقُول: أَنَّك إِن رضت نَفسك فِي تعرف الحميات المفردة على الِاسْتِقْصَاء حَتَّى تعرفها مُنْذُ حدثت بسهولة وَسُرْعَة مُنْذُ أول الْأَمر فِي الْيَوْم الأول فَإِنَّهَا مَتى تركبت عرفتها مُنْذُ أول يَوْم أَو فِي الثَّانِي أَو فِي الثَّالِث وأقصاه الرَّابِع وَأَنا لم أصل إِلَى معرفَة هَذِه الثَّلَاث الحميات إِلَّا لمعرفتي بطبيعة الغب لِأَن الَّذِي يعرض فِي تعرف الحميات كَمَا