قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بَعْدَ كَمَالِ غَسْلِهِ خَارِجٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يُعِيدُ غُسْلَهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْخَارِجَ نَاقِضٌ لِحُكْمِ غَسْلِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ طَهَارَةٌ غَيْرَ غُسْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَغْسِلَ النَّجَاسَةَ وَيُوَضِّئَهُ كَالْحَيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَغْسِلُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ لَا غَيْرَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وأبي حنيفة لِاسْتِقْرَارِ غُسْلِهِ وَاسْتِحَالَةِ الْحَدَثِ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ يُنَشِّفُهُ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ يَصِيرُ فِي أَكْفَانِهِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نُشِّفَ فِي ثَوْبٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَمْسَكُ لِبَدَنِهِ وأوفى لكفنه.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَأَى حَلْقَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الأظفار ومنهم من لم يره (قال المزني) وتركه أعجب إليّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى بِلًى عَنْ قَلِيلٍ وَنَسْأَلُ الله حسن ذلك المصير ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَخْذُ شَعْرِهِ وَتَقْلِيمُ ظُفُرِهِ فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَفَحُشَ فَأَخْذُهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَفِي اسْتِحْبَابِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ: إِنَّ أَخْذَهُ مَكْرُوهٌ وَتَرْكَهُ أَوْلَى، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْمُزَنِيِّ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخِتَانُ الْوَاجِبُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَانَ هَذَا أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ كَانَ مَأْخُوذًا بِقَلْعِهِ فِي الْحَيَاةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ، فَهَذَا أَوْلَى، قَالَ الْمُزَنِيُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى بِلًى عَنْ قَلِيلٍ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَصِيرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ إنَّ أَخْذَهُ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكَهُ مَكْرُوهٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اصْنَعُوا بِمَيِّتِكُمْ مَا تَصْنَعُونَ بِعَرُوسِكُمْ، وَلِأَنَّ تَنْظِيفَ سِنٍّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ غَيْرِ أَلَمٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَبَّ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَإِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، فَعَلَى هَذَا يُخْتَارُ أَنْ يُؤْخَذَ شَعْرُ عَانَتِهِ وَإِبِطَيْهِ بِالنَّوْرَةِ لَا بِالْمُوسَى، لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِ، وَيُقَصِّرُ شَعْرَ شَارِبِهِ وَلَا يَحْلِقُ، وَيَتْرُكُ لِحْيَتَهُ وَلَا يَمَسَّهَا، فَأَمَّا شَعْرُ رَأْسِهِ فَإِنْ كَانَ ذَا جُمَّةٍ فِي حَيَاتِهِ تُرِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا جُمَّةٍ حُلِقَ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَ أَطْرَافِهِ، ثُمَّ حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ يُدْفَنُ مَعَهُ، وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا أَثَرٌ يُسْتَنَدُ إليه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُقَرِّبُ الْمُحْرِمَ الطِّيبَ فِي غُسْلِهِ وَلَا حنوطه ولا يخمر رأسه لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما ولا تخمروا رأسه "