حنيفة يُسْقِطُ وُجُوبَهُمَا مَعًا، وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ جِلْسَةُ اسْتِرَاحَةٍ، وَالثَّانِيَةُ مِنَ الْخُطْبَةِ وأزيدت لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْقِيَامِ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَمْ يقل بمذهب أبي حنيفة وغيره وحكى الطحاوي أنه لم يقل بمذهب الشافعي رحمة الله غَيْرُهُ.
(فَصْلٌ)
: فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ خَطَبَ جَالِسًا، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ بَدَلًا مِنَ الْجَلْسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ وَوَصَلَ الثَّانِيَةَ جَالِسًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَاجِبَةٌ، لِكَوْنِهَا بَدَلًا مِنْ جَلْسَةٍ وَاجِبَةٍ، وَمَنْ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فِي خُطْبَتِهِ لَمْ تُجْزِ الْجُمْعَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّلَ كَلَامَهُ سَكَتَاتٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، فَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَخَطَبَ قَاعِدًا لَمْ تُجْزِهِ وَإِيَّاهُمْ إِذَا عَلِمُوا بِحَالِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بحاله أجزائهم دُونَهُ. فَلَوْ خَطَبَ جَالِسًا وَذَكَرَ مَرَضًا يُعْجِزُهُ عَنِ الْقِيَامِ فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ، وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ مَأْمُونٌ، وَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا مَعَهُ الْجُمْعَةَ إِلَّا أَنْ يَعْلَمُوهُ قَادِرًا، وَيَعْتَقِدُوا خِلَافَ قَوْلِهِ، فَلَا يجوز لهم اتباعه.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُحَوِّلُ النَّاسُ وُجُوهَهُمْ إِلَى الْإِمَامِ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ".
وَهَذَا صَحِيحٌ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْ بَعُدَ عَنْهُ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ، وَلِأَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مِنَ الْأَدَبِ إِقْبَالُهُمْ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْخُطْبَةِ الْمَوْعِظَةُ وَالْوَصِيَّةُ، وَفِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ فَوَاتُ هَذَا الْمَعْنَى. وَيُخْتَارُ لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يجلس محتبيا.
(مسألة)
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِذَا فَرَغَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يقرأ في الأولى بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَبْتَدِئُهَا بِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم " وَبِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ " إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ " ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويجهر الإمام بالقراءة ولا يقرأ من خلفه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمْعَةِ رَكْعَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا، وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُمَا، لِلْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ، وَالْفِعْلِ الْمَحْكِيِّ، وَالْإِجْمَاعِ الْعَامِّ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِسُورَةِ الْجُمْعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إِذَا جَاءَكَ