لِلسَّيِّدِ بِاسْتِرْجَاعِ نَفَقَتِهِ، لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِحُكْمِهِ، فَإِذَا اسْتَرْجَعَهَا نَظَرَ فِي الْبَاقِي بَعْدَهَا مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ لَمْ يُعْتَقْ وَكَانَ مَا أَخَذَهُ مُسْتَحَقًّا بِالْمِلْكِ لَا بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُكَاتَبُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَدَّى مَالَ كِتَابَتِهِ إِلَى السَّيِّدِ قَبْلَ جُنُونِهِ عَتَقَ، وَكَانَ السَّيِّدُ مُتَطَوِّعًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا بَعْدَ إِفَاقَتِهِ، لِأَنَّهُ بِجَحُودِ الِاسْتِيفَاءِ قَدْ صَارَ مُلْتَزِمًا مَا لَمْ يَلْزَمْهُ، فلذلك صار به متطوعا.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوِ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَتَهُ وَجَاءَ بِشَاهِدٍ أحلفه مَعَهُ وَأبرئه) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَ كِتَابَتِهِ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَبَيِّنَتُهُ فِي الْأَدَاءِ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ إِلَّا مِنْ شَاهِدَيْنِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِتْقَ بِالْكِتَابَةِ أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ، وَالْأَدَاءُ فِيهِ صِفَةٌ لِحُلُولِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ فِي الْعَقْدِ إِلَّا شَاهِدَيْنِ وَسُمِعَ فِي الْأَدَاءِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، لِأَنَّهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَضَاءِ دَيْنٍ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ إِثْبَاتَ تَصَرُّفٍ لِلْمُكَاتَبِ، وَزَوَالَ تَصَرُّفٍ لِلسَّيِّدِ، فَصَارَتْ وِلَايَةً لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَالْأَدَاءُ مَالٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، كَالْوَصِيَّةِ لَا تَثْبُتُ لِلْمُوصَى إِلَيْهِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَتَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لِأَنَّهُ مَالٌ.
فَلَوْ ذَكَرَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ دَعْوَى الْأَدَاءِ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً أُنْظِرَ بِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثًا، لِأَنَّ فِي إِرْهَاقِهِ، إِضْرَارًا بِهِ وَفِي الزِّيَادَةِ بِالْإِنْظَارِ إِضْرَارٌ بِالسَّيِّدِ، وَفِي الْإِنْظَارِ تَقْلِيلُ الزَّمَانِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ إِلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الثُّلُثُ رِفْقٌ بِهِمَا وَرَفْعٌ لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، فَإِذَا أَحْضَرَ بَيِّنَةً سُمِعَتْ وَإِلَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِيَمِينِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَحْضَرَ فِي الثَّلَاثِ شَاهِدًا وَاحِدًا، وَاسْتَنْظَرَ بِالثَّانِي أَنْظَرْتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَلَوْ أَحْضَرَ فِي الثَّلَاثِ شَاهِدِينَ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَدَالَتُهُمَا أُنْظِرَ بِهِمَا ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ اسْتِنْظَارٌ لِبَيِّنَةٍ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ دَفَعَ الْكِتَابَةَ وَكَانَتْ عَرْضًا بِصِفَةٍ فَقَبَضَهُ وَعَتَقَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ قِيلَ لَهُ إِنْ أَدَيْتَ مَكَانَكَ وَإِلَّا رَقَقْتَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ عَلَى عَرْضٍ مَوْصُوفٍ، فَأَدَّاهُ