أَحَدُهُمَا: بَاطِلَةٌ.
وَالثَّانِي: جَائِزَةٌ.
وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا جَنَى أَحَدُهُمْ كَانَ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِجِنَايَتِهِ دُونَ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ تَكُونُ الْجِنَايَةُ فِي كِتَابَتِهِمْ، وَيُؤْخَذُونَ جَمِيعًا بِأَرْشِهَا، وهذا فاسد بما قدمناه، لأن عقد الحرين عَلَى الْتِزَامِ الْعَقْلِ، وَتَحَمُّلِ الْجِنَايَةِ لَا يُوجِبُ تَحَمُّلَهَا، فَكَانَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ الْخَالِي مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ التَّحَمُّلَ.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَ هَذَا الْجَانِي وَلَدَ الْمُكَاتَبِ وُهِبَ لَهُ أَوْ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وَلَدَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُفْدَ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ إِلَّا بِإِذْنِ السيد لأني لا أجعل له بيعهم ويسلمون فيباع منهم بقدر الجناية وما بقي بحاله يعتق بعتق المكاتب أو المكاتبة) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَقَبِلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَجَنَى، لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ وَلَدِهِ، فَكَانَ مَا يَفْتَدِيهِ بِهِ إِتْلَافًا لِمَالِهِ، وَخَالَفَ الْعَبْدُ الَّذِي هُوَ مَالٌ يَحُوزُهُ فَكَانَ مَا يَفْتَدِيهِ بِهِ اسْتِصْلَاحًا لِمَالِهِ، فَإِنِ افْتَدَى الْمُكَاتَبُ وَلَدَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْهِبَةِ بِإِذْنِهِ، فَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِافْتِدَائِهِ إِنْ شَاءَ، وَبَيْعِهِ فِي جِنَايَتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْدِيَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا وَكَانَ بَاقِيهِ عَلَى حُكْمِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ وَلَدَ مُكَاتَبٍ لِأَبِيهِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَإِنْ كَانَ وَلَدَ مُكَاتَبَةٍ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ لِسَيِّدِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ والمكاتب.
مسألة
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنْ جَنَى بَعْضُ عَبِيدِهِ عَلَى بَعْضٍ عَمْدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا فَلَا يَقْتُلُ وَالِدَهُ بِعَبْدِهِ وَهُوَ لَا يُقْتَلُ بِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَبِيدٌ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا نَظَرَ الْقَتْلَ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً كَانَتِ الْجِنَايَةُ هَدَرًا، لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمَالَ، وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ، لِمَا فِي الْقِصَاصِ مِنَ اسْتِصْلَاحِ الْمِلْكِ فِي حَسْمِ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَبًا