الْأَرْشِ مُعْتَبَرٌ بِجِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ دِيَةِ الْيَدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِدِيَةِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ الِانْدِمَالُ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُعْتَبَرُ بِهَا جِنَايَةُ الْحُرِّ أَوْ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ بِهَا جِنَايَةُ الْحُرِّ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِهَا بَعْدَ حُرِّيَّةِ الْمُكَاتَبِ، فَلِهَذَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْيَدِ مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ قَطْعَهَا بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ بِهَا حَالَ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّهُ جَنَاهَا وَهُوَ مُكَاتَبٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ:
وَالثَّانِي: بِدِيَةِ الْيَدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
فَأَمَّا إِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ عَلَى يَدِهِ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ الْقَوَدُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْقُطْ بِعِتْقِهِ، وَكَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُكَاتَبِ وَقْتَ عِتْقِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مَالٌ أَوْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ مَالٌ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ بِخِلَافِ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ، لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالْأَدَاءِ إِذَا كَانَ عَنِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَتَضَمَّنِ الْإِبْرَاءُ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَعِتْقُ السَّيِّدِ كَانَ عَنِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ، فَصَارَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِبْرَاءِ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ حِينَ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَتَعَلَّقُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ، لِثُبُوتِهَا فِي رَقَبَتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَبْرَأُ مِنَ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَبْرَأُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ، وَيُسْتَوْفَى مِمَّا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمَالُ عَنْهُ نَظَرَ، فَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِعَجْزِ الْمَالِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنَ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ السَّيِّدُ بِعَجْزِ الْمَالِ لَمْ يَبْرَأِ الْمُكَاتَبُ مِنَ الْبَاقِي، وَكَانَ مَأْخُوذًا بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَأَيُّ الْمُكَاتَبَيْنِ جَنَى وَكِتَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لَزِمَتْهُ دُونَ أَصْحَابِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا كَاتَبَ جَمَاعَةً مِنْ عَبِيدِهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَنَّ فِي كِتَابَتِهِمْ قولين: