قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ بِمَا تَجُوزُ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَشَذَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَمَنَعَ مِنْ كِتَابَةِ النَّصْرَانِيِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] وَهَذَا قَوْل فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ إِمَّا أَنْ يَغْلِبَ فِيهَا حُكْمُ الْبَيْعِ أَوْ حُكْمُ الْعِتْقِ، وَالنَّصْرَانِيُّ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ مَا خُوطِبَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ يَعُمُّ حُكْمُهُ، وَلَا يَقِفُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ رُوعِيَ فِيهَا مَا يُرَاعَى فِي عُقُودِ مُكَاتَبَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الأحكام.
مسألة
قال الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَيْنَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيُبَاعَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَتْ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ جَائِزَةً حُمِلَا عَلَيْهَا، وَأَخَذَا بِمُوجِبِهَا، سَوَاءٌ أَقَامَهَا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ أَوِ الْمُكَاتَبُ أَوْ هُمَا، لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَصِحُّ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا انْتِقَالُ الْمُكَاتَبِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرِثُهُ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَإِنْ عَجَزَ عَادَ رَقِيقًا، وَالسَّيِّدُ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ لَمْ يُقَرَّ عَلَى مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ اسْتِرْقَاقِ مُسْلِمٍ، وَأُخِذَ بِبَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ قَبْلَ عَجْزِهِ لِخُرُوجِهِ بِالْكِتَابَةِ عَنْ حُكْمِ مِلْكِهِ، وَإِفْضَائِهِ بِهَا إِلَى عِتْقِهِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَلَالٍ عِنْدَهُمْ حَرَامٌ عِنْدَنَا أَبْطَلْنَا مَا بَقِيَ مِنَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إِلَيْنَا فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا لِأَنَّ ذلك مضى في النصرانية ولو اسلما وبقي من الكتابة شيء من خمر فقبضه السيد عتق بقبضه آخر كتابته ورجع على العبد بقيمته) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مُكَاتَبَةَ النَّصْرَانِيِّ لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: