وَأَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلْمَانَ، وَشُقْرَانَ، وَثَوْبَانَ، وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَاشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَالًا وَكَانَ يُعَذَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِلَالٌ سَيِّدُنَا وَعَتِيقُ سَيِّدِنَا.
وَفِي قَوْلِهِ بلال سيدنا ثلاثة تأويلات:
أحدها: قوله
" سَيِّدُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ ".
وَالثَّانِي: لِسَابِقَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِيهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّوَاضُعَ وَكَسْرَ النَّفْسِ.
وَقَدْ أَعْتَقَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، عَبِيدًا وإماءا وَكَذَلِكَ أَهْلُ الثَّرْوَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَعْدَهُ، فَدَلَّ عَلَى فَضْلِ الْعِتْقِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) وَلِأَنَّ فِي الْعِتْقِ فَكًّا مِنْ ذُلِّ الرِّقِّ بِعِزِّ الْحُرِّيَّةِ وَكَمَالِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ نُقْصَانِهَا، وَالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ الْمَنْعِ مِنْهُ وَتَمَلُّكِ الْمَالِ بَعْدَ حَظْرِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ مِنَ الْمُعْتِقِ وَأَجْزَلِ النِّعَمِ عَلَى الْمُعْتَقِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَّرَ بِهِ الذُّنُوبَ وَجَبَرَ بِهِ الْمَآثِمَ وَمَحَا بِهِ الْخَطَايَا وَمَا هُوَ بِهَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ عِنْدَ الله عظيم.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْعِتْقُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ.
فَالْوَاجِبُ خَاصٌّ فِي بَعْضِ الرِّقَابِ. وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ. وَالتَّطَوُّعُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ مِنْ مُؤْمِنَةٍ وَكَافِرَةٍ وَسَلِيمَةٍ وَمَعِيبَةٍ. وَالْعِتْقُ يَقَعُ بِالْقَوْلِ الصريح وكناية. وَالصَّرِيحُ لَفْظَتَانِ: أَعْتَقْتُكَ، وَحَرَّرْتُكَ. يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِمَا مَعَ وُجُودِ النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا.
وَالْكِنَايَةُ: قَوْلُهُ حَرَّمْتُكَ، وَسَبَيْتُكَ، وَأَطْلَقْتُكَ، وَخَلَّيْتُكَ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُعْتِقْ وَلَا يُعْتِقُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ كَالطَّلَاقِ وَيَصِحُّ مُعَجَّلًا وَمُؤَجَّلًا وَنَاجِزًا وَعَلَى صِفَةٍ وَبِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ اعْتِبَارًا بِالطَّلَاقِ وَبِعِلْمِ العبد وبغير علمه ومع إرادته وكراهته.
فَصْلٌ
وَإِذَا كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَهُوَ يَسْرِي كَسِرَايَةِ الطَّلَاقِ وَسِرَايَتُهُ أَعَمُّ مِنْ سِرَايَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَسْرِي إِلَى مِلْكِ الْمُعْتَقِ وَإِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ وَسِرَايَةُ الطَّلَاقِ لَا تَسْرِي إلا