وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُمْكِنَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، أَوْ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالْبِنَاءَ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، فَقِسْمَةُ مِثْلِ هَذَا قَدْ تَكُونُ عَلَى أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تُقَسَّمَ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ بِالْقِيمَةِ عَلَى زِيَادَةِ الذَّرْعِ: مِثَالُهُ: أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ ثَلَاثِينَ جَرِيبًا بَيْنَ شَرِيكَيْنِ نِصْفَيْنِ وَتَكُونُ عَشَرَةُ أَجْرِبَةٍ مِنْ جَيِّدِهَا بِقَيِّمَةِ عِشْرِينَ جَرِيبًا مِنْ رَدِيئِهَا، فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى فَضْلِ الذَّرْعِ فَيُجْعَلُ أَحَدُ السَّهْمَيْنِ عشرة أجرته، لِفَضْلِ جَوْدَتِهِ، وَالسَّهْمُ الْآخَرُ عِشْرِينَ جَرِيبًا، لِنَقْصِ رَدَاءَتِهِ.
فَفِي دُخُولِ الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا إِجْبَارَ فِيهَا لِتَعَذُّرِ التَّسَاوِي فِي الذَّرْعِ وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى التَّرَاضِي.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَاخْتَارَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: إِنَّهُ تَدَخُلُهَا قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ لِوُجُودِ التَّسَاوِي فِي التَّعْدِيلِ.
فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْقَاسِمُ مِنْ أُجْرَتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَلَى الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَيْنِ، لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَصْلِ الْمِلْكِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ عَلَى صَاحِبِ الْعَشَرَةِ الْأَجْرِبَةِ ثُلُثَهَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ ثلثاها لِتَفَاضُلِهِمَا فِي الْمَأْخُوذِ بِالْقِسْمَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُقَسَّمَ قِسْمَةَ رَدٍّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الذَّرْعِ، مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ فِي جَانِبٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَيَقْسِمُ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَجْعَلُ الشَّجَرَ وَالْبِنَاءَ قِيمَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَجَبَ عَلَى مَنْ صَارَ لَهُ جَانِبُ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَدْفَعُهَا إِلَى صَاحِبِهِ.
فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ، قِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ، لَا يَدْخُلُهَا الْإِجْبَارُ؛ لِأَنَّ دَخْلَ الرَّدِّ بِالْعِوَضِ يَجْعَلُهَا بَيْعًا مَحْضًا، وَلَيْسَ فِي الْبَيْعِ إِجْبَارٌ.
وَلَهُمَا فِي هذه القسمة أربعة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَيَتَّفِقَا عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الْأَعْلَى وَيَرُدُّ، وَمَنْ يَأْخُذُ الْأَدْنَى وَيَسْتَرِدُّ، فَقَدْ تَمَّتِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا بِالْمُرَاضَاةِ بَعْدَ تَلَفُّظِهِمَا بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلا باللفظ ويكون تلفظهما بالرضى جَارِيًّا مَجْرَى الْبَدَلِ وَالْقَبُولِ، وَلَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَإِنْ شَرَطَا فِي حَالِ الرِّضَا خِيَارَ ثَلَاثٍ كَانَ لَهُمَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الرَّدُّ فِيهَا قَلِيلًا صَحَّتْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بَطَلَتْ.