وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْقَاضِيَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ، فَتَغَيَّرَتْ حَالُ الْمُوَلِّي بِمَوْتٍ، أَوْ عَزْلٍ، انْعَزَلَ الْمُوَلَّى، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُولُ كِتَابِ الْمُوَلِّي.
وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَالِيًا مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ، فَمَاتَ الْخَلِيفَةُ أَوْ خُلِعَ، لَمْ يَنْعَزِلْ بِهِ الْقَاضِي وَجَازَ لَهُ قَبُولُ كِتَابِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَسْتَنِيبُ الْقُضَاةَ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِ، وَتَغَيُّرِ حَالِهِ، وَالْقَاضِي يَسْتَنِيبُ خَلِيفَتَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ وَتَغَيَّرَ حَالُهُ.
فَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ خَلِيفَتَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَلَا يَجُوزَ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ.
وَسَوَّى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْنَ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَاضِي فِي انْعِزَالِ مَنْ وَلَّيَاهُ.
وَسَوَّى آخَرُونَ مِنْهُمْ فِي بَقَاءِ وُلَايَةِ مَنْ وَلَّيَاهُ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ قَوْلُ جُمْهُورِهِمْ ما ذكرناه من الفرق بينهما.
وَإِذَا سَافَرَ الْقَاضِي عَنْ بَلَدِ وِلَايَتِهِ، وَكَتَبَ كِتَابًا بِحُكْمٍ إِلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَقْبَلَ كِتَابَ الْكَاتِبِ لِأَنَّ كِتَابَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُهُ لَا يُنَفَّذُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ.
وَلَوْ كَتَبَهُ الْكَاتِبُ وَهُوَ فِي عَمَلِهِ فَوَصَلَ إِلَى الْمُكَاتِبِ وَهُوَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لِأَنَّ قَبُولَهُ حُكْمٌ، وَحُكْمُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لَا يُنَفَّذُ.
وَلَوْ أَنَّ قَاضِيَيْنِ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، مِثْلَ قَاضِي الْبَصْرَةِ وَقَاضِي الْكُوفَةِ إِذَا اجْتَمَعَا بِبَغْدَادَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى الْآخَرِ مَا حَكَمَ بِهِ، وَلَا أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ مَا حَكَمَ بِهِ، لِأَنَّ الْأَدَاءَ وَالْقَبُولَ حُكْمٌ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا.
وَلَوْ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي بَلَدِ أَحَدِهِمَا مِثْلَ قَاضِي الْبَصْرَةِ وَقَاضِي الْكُوفَةِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي الْبَصْرَةِ، فَأَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ مَا حَكَمَ بِهِ، لَمْ يَجُزْ لِقَاضِي الْبَصْرَةِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ قَاضِي الْكُوفَةِ.
لِأَنَّهُ أداه في غيره عَمَلِهِ، وَأَدَاؤُهُ حُكْمٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ وَحْدَهُ مَقْبُولٌ، وَالشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنِ اثْنَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُخْبِرُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ.
فَأَمَّا مَا أَدَّاهُ قَاضِي الْبَصْرَةِ إِلَى قَاضِي الْكُوفَةِ فَأَدَاؤُهُ مَقْبُولٌ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ فِي غير عمله.