وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِاجْتِهَادٍ كَانَ الْأَمِيرُ أَحَقَّ بِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِتَقْوِيمِ السَّلْطَنَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ سَمِعَهَا الْقَاضِي وَاسْتَوْفَاهَا الْأَمِيرُ.
فَأَمَّا قَبْضُ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقُهَا فِي ذَوِي السُّهْمَانِ.
فَإِنْ قَلَّدَ الْإِمَامُ عَلَيْهَا نَاظِرًا كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الْقَاضِي.
وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ عَلَيْهَا نَاظِرًا فَفِي اسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي النَّظَرُ فِيهَا بِمُطْلَقِ وِلَايَتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَهُ النَّظَرُ فِيهَا لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ فِيمَنْ أَسْمَاهُ لَهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ فِيهَا، لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ.
فَأَمَّا أَمْوَالُ الْفَيْءِ فَلَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ وُجُوهَ مَصْرِفِهَا مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ.
فَأَمَّا الْإِمَامَةُ فِي صَلَاةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، فَإِنْ نُدِبَ لَهَا إِمَامٌ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الْقَاضِي.
وَإِنْ لَمْ يُنْدَبْ لَهَا إِمَامٌ فَفِي اخْتِصَاصِ الْقَاضِي بِإِقَامَتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقِيمُهَا لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الْعَامَّةِ.
وَالثَّانِي: لَا حَقَّ لَهُ فِي إِقَامَتِهَا، لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ بِهَا أخص فهذا حكم النظر العام.
(تحديد سلطات القاضي)
فَأَمَّا النَّظَرُ الْخَاصُّ: فَهُوَ أَنْ يُقَلِّدَ النَّظَرَ فِي الْمُدَايَنَاتِ دُونَ الْمَنَاكِحِ أَوِ الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ أَوْ فِي نِصَابٍ مُقَدَّرٍ مِنَ الْمَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ فَهَذَا جَائِزٌ وَيَكُونُ مَقْصُورَ النَّظَرِ عَلَى مَا قَلَّدَهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: لَمْ يَزَلِ الْأُمَرَاءُ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ يَسْتَقْضُونَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَاضِيًا يُسَمُّونَهُ قَاضِيَ الْمَسْجِدِ يَحْكُمُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَمَا دُونَهَا وَيَفْرِضُ النَّفَقَاتِ وَلَا يَتَعَدَّى بِهَا مَوْضِعَهُ وَلَا مَا قُدِّرَ لَهُ.
وَإِذَا قُلِّدَ النَّظَرَ فِي الْمَنَاكِحِ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِجَمِيعِ مَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ صَدَاقٍ وَفَرْضٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَكِسْوَةٍ وَيُزَوِّجُ الْأَيَامَى وَلَا يَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْمُدَايَنَاتِ وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَلَا يَحْكُمَ بِنَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَيَحْكُمُ بِنَفَقَةِ خَادِمِ الزَّوْجَةِ وَلَا يَحْكُمُ بِنَفَقَةِ خَادِمِ الزَّوْجِ.
وَإِذَا قُلِّدَ النَّظَرَ فِي نِصَابٍ مُقَدَّرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَنَظَرَ فِيهَا بَيْنَ خَصْمَيْنِ جَازَ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمَا ثَانِيَةً فِي هَذَا الْقَدْرِ وَثَالِثَةً.