فَإِنِ امْتَنَعَ الْقَاضِيَانِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَثِمَا بِالِامْتِنَاعِ، وَكَانَ قَاضِي الْمَطْلُوبِ أَغْلَظَهُمَا مَأْثَمًا وَأَخَذَهُمَا الْأَمِيرُ بِالِاجْتِمَاعِ جَبَرًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَقْصُورَ الولاية على النظر بين خصمين معينين فَيَخْتَصُّ بِالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْظُرُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا، وله ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَرُدَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ تَنَازُعٍ يَحْدُثُ مِنْهُمَا فَيَكُونُ بَعْدَ فَصْلِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا بَاقِي الْوِلَايَةِ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ تَنَازُعِهِمَا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى النظَرِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي تَنَازَعَاهُ فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا فَصَلَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا انْعَزَلَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ تَنَازُعِهِمَا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ تَقْلِيدَهُ مُطْلَقًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ مَا تَجَدَّدَ مِنْ نِزَاعِهِمَا.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَلِّدَهُ الْإِمَامُ قَضَاءَ بَلَدٍ عَلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ وَلَا يَنْظُرَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فَهَذَا تَقْلِيدُ اخْتِيَارٍ، وَمُرَاعَاةٍ وَلَيْسَ بِتَقْلِيدِ حُكْمٍ وَلَا نَظَرٍ.
فَإِذَا قَلَّدَ مَنِ اخْتَارَهُ ثَبَتَتْ وِلَايَةُ الْمُخْتَارِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمَنِ اخْتَارَهُ عَزْلُهُ وَلَهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهِ وَالْمُرَاعَاةُ لَهُ.
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ عَيَّنَ لَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ جَازَ وَكَانَ هَذَا تَقْلِيدُ إِنْفَاذٍ وَإِشْرَافٍ وَلَيْسَ بِتَقْلِيدِ حُكْمٍ وَلَا اخْتِيَارٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ جَمِيعِهَا فَيَجُوزُ إِذَا عُيِّنَ عَلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، لِأَنَّ النَّظَرَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُتَحَاكِمَيْنِ فِيهِ فَوَجَبَ تَعْيِينُ الْيَوْمِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ الْخُصُومُ.
فَإِذَا قَلَّدَهُ النَّظَرَ فِي يوم السبت لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْعَلَهُ نَاظِرًا فِي كُلِّ سَبْتٍ فَيَكُونُ عَلَى وِلَايَتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّبْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي غَيْرِهِ لِبَقَاءِ نَظَرِهِ عَلَى أَمْثَالِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَجْعَلَهُ نَاظِرًا فِي سَبْتٍ وَاحِدٍ فَيَنْعَزِلُ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي نَظَرِ السَّبْتِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِاخْتِصَاصِ الْيَوْمِ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُطْلِقَ تَقْلِيدَهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ فَيُحْمَلُ عَلَى الخصوص دون