فَلَمْ يَجُزْ لِتَقَدُّمِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ صَوْمُ بَعْضِهِ، وَهَذَا تَعْلِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فلهذين التعليلين بطل نذره ولم يلزمه وقضاءه، كَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الْأَيَّامِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ إِنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ وقضاؤه وَاجِبٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُزَنِيُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَذْرٌ انْعَقَدَ عَلَى اسْتِقْبَالِ صِيَامٍ فِي زَمَانٍ، يَجُوزُ فِيهِ الصِّيَامُ، فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّفْرِيعُ فَإِنْ قُدِمَ بِفُلَانٍ مَيِّتًا، سَقَطَ فَرْضُ الصِّيَامِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ حَيًّا، لَمْ يَخْلُ مَقْدِمُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا، سَقَطَ فَرْضُ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِالْيَوْمِ صَارَ النَّهَارُ شَرْطًا فِي وُجُوبِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ فِي غَدِهِ تَعْلِيلًا بِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ بِاللَّيَالِي عَنِ الْأَيَّامِ، وَعَنِ اللَّيَالِي بِالْأَيَّامِ، وَلِذَلِكَ مَا اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَصُومَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ.
وَلَوْ قَدِمَ نَهَارًا، لَمْ يَخْلُ حَالُ النَّاذِرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَائِمًا، أَوْ مُفْطِرًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُفْطِرًا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَالْمُسَافِرِ إِذَا قَدِمَ فِي يَوْمٍ قَدْ أَفْطَرَ فِي أَوَّلِهِ، اسْتَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَ فِي بَقِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ فِي يَوْمِ الْقُدُومِ صَائِمًا لَمْ يَخْلُ صَوْمُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، فَيَكُونُ فِيهِ عَلَى حُكْمِ تَطَوُّعِهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ، وَفِي انْحِتَامِ صِيَامِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَنْحَتِمُ صَوْمُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَحِقًّا فِي نَذْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْحَتِمُ صَوْمُهُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِيهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ اعْتِبَارًا بِمَا انْعَقَدَتْ نِيَّتُهُ عَلَيْهِ مِنْ تَطَوُّعِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صِيَامُهُ عَنْ فَرْضٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَرْضَ صِيَامٍ مُتَعَيِّنًا فِي يَوْمٍ، وَذَلِكَ صِيَامَانِ:
أَحَدُهُمَا: فَرْضُ رَمَضَانَ.
وَالثَّانِي: لِنَذْرٍ تَقَدَّمَ مِنْهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِهِ، فَيَسْتَكْمِلُ صَوْمَ يَوْمِهِ عَنْ فَرْضِهِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَوْ أَعَادَهُ، وَلَا يَكُونُ فَرْضُهُ مُشْتَرَكًا، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ نَذْرِهِ الْمُسْتَقْبَلِ فَيَصُومُ يَوْمَيْنِ فَرْضًا وَيَوْمًا مُسْتَحَبًّا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَصُومَهُ عَنْ فَرْضٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ، فَعَلَيْهِ إِتْمَامُهُ عَنْ فَرْضِهِ الَّذِي نَوَاهُ، وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَجْهَانِ: