أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهِ بِالْآخَرِ فَوَجَبَ مَعَ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي جواز تفرقته، وتتابعه والله أعلم.
قال الشافعي: " وَلَوْ نَذَرَ صِيَامَ سنةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا إِلَّا رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ ابْتَدَأَ لِصِيَامِهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ، وَخَرَجَ مِنْهُ لِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ، وَخَرَجَ مِنْ نَذْرِهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِاسْتِحْقَاقِهِ عَنْ فَرْضِهِ، وَلَمْ يَقْضِهِ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ نَذْرِهِ بِالشَّرْعِ، وَأَفْطَرَ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ صِيَامِهِ، وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَ صِيَامِهَا مَنَعَ مِنِ انْعِقَادِ النَّذْرِ بِهَا، فَإِنْ صَامَ جَمِيعَهَا إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنْهَا، فَقَدْ وَفَّى بِنَذْرِهِ، وَسَقَطَ عَنْهُ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهَا، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفْطِرَ فِيهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَقَضَاءُ مَا أَفْطَرَهُ، وَاجِبٌ عَلَيْهِ، لِاسْتِحْقَاقِهِ بِنَذْرِهِ.
فَأَمَّا مَا صَامَهُ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ تَتَابُعَهَا فِي نَذْرِهِ أَجْزَأَهُ مَا صَامَهُ مِنْهَا، لِأَنَّ تَتَابُعَهَا كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالزَّمَانِ دُونَ الشَّرْطِ، كَمَا اسْتَحَقَّ تَتَابُعَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَبْطُلْ مَا صَامَ فِيهِ بِالْفِطْرِ، فَكَذَلِكَ صِيَامُ هَذِهِ السَّنَةِ الْمَنْذُورَةِ مُسْتَحَقٌّ تَتَابُعُهَا لِزَمَانِهَا، فَلَمْ يَبْطُلْ صِيَامُهَا بِالْفِطْرِ فِي بَعْضِهَا، وَجَازَ أَنْ يَقْضِيَ مَا أَفْطَرَهُ مُتَفَرِّقًا، وَمُتَتَابِعًا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَإِنْ شَرَطَ تَتَابُعَ صِيَامِهَا فِي نَذْرِهِ، صَارَ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ وَالزَّمَانِ فَيَبْطُلُ مَا صَامَهُ مِنْهَا بِفِطْرِهِ فِيهَا لِأَجْلِ الشَّرْطِ دُونَ الزَّمَانِ، كَالصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، لَمَّا كَانَ التَّتَابُعُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ، بَطَلَ بِالْفِطْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَوْمٍ، وَوَجَبَ أَنْ يُسْتَأْنَفَ الْقَضَاءُ بِصِيَامِ سَنَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنْهَا، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَالْعِيدَانِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُفْطِرَ فِيهَا بِعُذْرِ، وَالْأَعْذَارُ الَّتِي يُسْتَبَاحُ بِهَا الْفِطْرُ أَرْبَعَةٌ: الْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، فَأَمَّا الْحَيْضُ، فَلَا يُبْطِلُ تَتَابُعَ الصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ، أَوِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ أَيَّامِ الْحَيْضِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا، لِاسْتِثْنَائِهَا بِالشَّرْعِ كَاسْتِثْنَاءِ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ قَضَاؤُهَا كَمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ قَضَاءِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فِي صَوْمِ