قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ نَذَرَ عَدَدَ صومٍ صَامَهُ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَخْلُو إِذَا نَذَرَ صِيَامَ أيامٍ مَعْدُودَاتٍ مِنْ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَهَا، أَوْ يُطْلِقَهُ فَإِنْ عَيَّنَهُ فَقَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ رَجَبٍ، أَوِ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ شَعْبَانَ "، لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ الْعَشْرَ الَّذِي عَيَّنَهُ، لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ، وَيَكُونُ فِيهِ التَّتَابُعُ مُسْتَحَقًّا، لِأَنَّ أَيَّامَهُ مُتَتَابِعَةً.
وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَشْرَ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، وَقَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عشرة أيام "، فله ثلاثة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا التَّتَابُعَ إِمَّا بِقَوْلِهِ، أَوْ بِقَلْبِهِ فَيَلْزَمُهُ تَتَابُعُهَا، وَيَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهَا الْفَوْرَ، فَيَجِبُ فِي شَرْطِهِ أَنْ يُعَجِّلَ صِيَامَهَا عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ فَرَّقَ صِيَامَهَا لَمْ يُجْزِهِ وَأَعَادَهَا مُتَتَابِعَاتٍ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ صِيَامَهَا مُتَفَرِّقَةً، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا، وَأَقَلُّ التَّفْرِقَةِ أَنْ يُفَرِّقَ كُلَّ يَوْمَيْنِ بِيَوْمٍ فَإِنْ تَابَعَ صِيَامَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ أَغْلَظُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ، لِأَجْلِ الشَّرْطِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُتَابِعَ فِيهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَيُفَرِّقَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، صَامَهَا عَلَى مَا شَرَطَ، وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي تَقْدِيمِ مَا شَاءَ مِنْ صِيَامِ الْمُتَتَابِعَاتِ، أَوِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَيَخْتَارُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ بِيَوْمٍ، فَإِنْ تَابَعَ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْمُتَفَرِّقَاتِ، وَالْخَمْسَةِ الْمُتَتَابِعَاتِ جَازَ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْخَمْسَةِ وَلَيْسَتْ مَشْرُوطَةً بَيْنَ الْخَمْسَتَيْنِ، فَإِنْ تَابَعَ الصِّيَامَ الْعَشْرَةَ كُلَّهَا أَجَزَأَهُ الْخَمْسَةُ الْمُتَتَابِعَةُ، وَفِي إِجْزَاءِ الْخَمْسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فَلَوْ قَالَ: " لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ " بَعْضُهَا مُتَتَابِعًا، وَبَعْضُهَا مُتَفَرِّقًا، فَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، وَأَقَلُّ مَا لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، وَهُوَ فِيمَا عَدَاهُمَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّفْرِقَةِ وَالْمُتَابَعَةِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُطْلِقَ صِيَامَ الْعَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يُشْتَرَطَ فِيهَا مُتَابَعَةً، وَلَا تَفْرِقَةَ فَالْأَوْلَى بِهِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا مُتَتَابِعَةً، أَمَّا الْفَضِيلَةُ فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ " وَأَمَّا الْأَوْلَى فَلِأَنَّهُ يَأْمَنُ الْفَوَاتَ، فَإِنْ فَرَّقَ صَوْمَهَا أَجْزَأَهُ.
وَقَالَ دَاوُدُ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُتَابِعَهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ التَّتَابُعَ فِي صِيَامِ كَفَارَّةِ الْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ كُلُّ مُطْلَقٍ مِنَ الصِّيَامِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّيَامِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، شَرْطُ التَّتَابُعِ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، وَشَرْطُ التَّفْرِقَةِ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ صَوْمُ التَّمَتُّعِ، فَلَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ الْمُطْلَقُ فِي اعْتِبَارِهِ بِأَحَدِهِمَا