أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى بَقَائِهِ حَتَّى يُعْلَمَ هَلَاكُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِالشَّكِّ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُدَبَّرٌ أَوْ مَكَاتَبٌ حَنِثَ بِهِمَا لِبَقَائِهِمَا عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، فَفِي حِنْثِهِ بِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَاوِضَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَرَقَّ فَيُبَاعَ، وَأُمُّ الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ أَنْ تُسْتَرَقَّ فَتُبَاعَ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ وَقْفٌ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ رَقَبَتَهُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ، وَإِنْ قِيلَ بِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ، فَفِي حِنْثِهِ بِهَا وَجْهَانِ كَأُمِّ الْوَلَدِ.
قَالَ الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سوطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهَا مَاسَّتْهُ كُلُّهَا بَرَّ وَإِنْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَمْ تَمَاسَّهُ كُلُّهَا لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يحنث في الحكم ويحنث في الورع واحتج الشافعي بقول الله عز وجل: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ} وضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأثكال النخل في الزنا وهذا شيءٌ مجموعٌ غير أنه إذا ضرب بها ماسته (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ لو حلف ليفعلن كَذَا لوقتٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فلانُ فَإِنْ مات أو غبي عَنَّا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رحمه الله وكلا ما يبر به شكٌّ فكيف يحنث في أحدهما ولا يحنث في الآخر؟ فقياس قوله عندي أن لا يحنث بالشم (قال الشافعي) ولو لم يقل ضرباً شديداً فأي ضربٍ ضربه إياه لم يحنث لأنه ضاربه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ مِائَةً اشْتَمَلَ حُكْمُ بِرِّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: عَدَدُ ضَرْبِهِ.
وَالثَّانِي: وُصُولُ جَمِيعِهَا إِلَى بَدَنِهِ.
وَالثَّالِثُ: فِي حُصُولِ الْأَلَمِ بِضَرْبِهِ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ ضَرْبِهِ، فَمُعْتَبَرٌ بِلَفْظِ يَمِينِهِ، وَلَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَحْلِفَ أَنْ يَضْرِبَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يحلف أن يضربه مائة سوط.