قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ وَلَهُ أُمُّهَاتُ أولادٍ وَمُدَبَّرُونَ وأشقاصٌ مِنْ عبيدٍ عَتَقُوا عَلَيْهِ إِلَّا الْمُكَاتَبَ إِلَّا أن ينويه لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ خارجٌ مِنْ مِلْكِهِ بمعنى وداخلٌ فيه بمعنى وهو محولٌ بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه ولا زكاة عليه في ماله ولا زكاة الفطر في رقيقه وليس كذا أم ولده ولا مدبره ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ، فَحَنِثَ أَوْ قَالَ: مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ، فَالْحُكْمُ فِي عِتْقِ الْحِنْثِ وَالْمُبَاشَرَةِ سَوَاءٌ، فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ رِقَّهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مَمَالِيكُ لَهُ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، لِأَنَّهُنَّ فِي مِلْكِهِ، وَيَجْرِي عَلَيْهِنَّ أَحْكَامُ رِقِّهِ، فِي اسْتِبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَاسْتِخْدَامِهِنَّ، وَمِلْكِ أَكْسَابِهِنَّ، وَالْتِزَامِ نَفَقَتِهِنَّ، وَزَكَاةِ فِطْرِهِنَّ، وَجَوَازِ تَزْوِيجِهِنَّ، وَإِجَارَتِهِنَّ كَالْإِمَاءِ. وَإِنَّمَا حَرُمَ بَيْعُهُنَّ، لِمَا ثَبَتَ مِنْ حُرْمَةِ الْوِلَادَةِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ رِقِّهِنَّ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِنَّ، فَلِذَلِكَ دَخَلْنَ فِي جُمْلَةِ مَمَالِيكِهِ، فَيُعْتِقُهُنَّ.
وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ مُدَبَّرُوهُ لِبَقَاءِ رِقِّهِمْ وَجَوَازِ بَيْعِهِمْ، وَمِلْكِ إِكْسَابِهِمْ، وَالْتِزَامِ نَفَقَتِهِمْ وَتَعْجِيلِ عِتْقِهِمْ، وَكَذَلِكَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ الْمُخَارَجُونَ مِنْ عَبِيدِهِ، وَالْمُعْتَقُونَ بِصِفَةٍ لَمْ تَأْتِ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مَمَالِيكُ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ رِقِّهِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.
وَإِذَا كَانَ لَهُ أَشْقَاصٌ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ عَتَقُوا عَلَيْهِ فِيمَا مَلَكَهُ مِنْهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ بَاقِيهِمْ إِنْ أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِمْ، وَرُقَّ الْبَاقِي إِنْ أَعْسَرَ بِهِمْ.
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُونَ، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُمْ فَاسِدَةً عُتِقُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَمْ يَعْتِقُوا عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَنْوِ عِتْقَهُمْ.
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُزَنِيُّ، وَرَوَى الرَّبِيعُ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ الرَّبِيعُ بَعْدَ أَنْ رَوي عَنْهُ: إِنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ، وَحِفْظِي عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَكَاتَبَ يَعْتِقُ إِذَا حَلَفَ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ.