قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شيءٍ وَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إِلَيَّ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى يَحْنَثَ فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ بِغَيْرِ الصِّيَامِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَامَ لَمْ يُجْزِهِ لأنا نزعم أن لله على العباد حقاً في أموالهم وتسلف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من العباس صدقة عامٍ قبل أن يدخل وإن المسلمين قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق في الأموال قياساً على هذا فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزئ إلا بعد مواقيتها كالصلاة والصوم ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ عَلَى ماضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ، فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى ماضٍ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ بِعَقْدِ الْيَمِينِ وَحْدَهُ إِذَا كَانَتْ كَذِبًا، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا؟ سَوَاءٌ كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ أَوْ صِيَامٍ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا بِسَبَبٍ واحدٍ، وَهُوَ عَقْدُ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى مستقبلٍ فَالْكَفَّارَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ بِعَقْدِ الْيَمِينِ، وَالْحِنْثِ فَتَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِسَبَبَيْنِ عَقَدٍ وَحِنْثٍ، وَلَهُ فِي التَّكْفِيرِ بِهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَلَا تُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَفَّرَ بمالٍ أَوْ صيامٍ لِفَقْدِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبَبَيْنِ كَمَا لَا يُجْزِئُهُ إِذَا عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ فَيُجْزِئُهُ، سَوَاءٌ كَفَّرَ بِمَالٍ أَوْ صِيَامٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا فَصَارَ كَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ حَوْلِهَا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُكَفِّرَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَقَبْلَ الْحِنْثِ فَيَكُونُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْجِيلِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ،