وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى لَغْوِ الْيَمِينِ فَهُوَ أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَخَرَجَ عَنِ الْيَمِينِ الْمَقْصُودَةِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْيَمِينِ بِالْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ في جنسها كفارة فخالفت الأيمان بالله.
وما الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ، فَهُوَ أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِيَمِينِهِ أَنْ يَصْعَدَ السَّمَاءَ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي النِّكَاحِ أَنَّ مَقْصُودَهُ الِاسْتِمْتَاعُ وَالِاسْتِبَاحَةُ، فَإِذَا امْتَنَعَ فِي النِّكَاحِ بَطَلَ وَمَقْصُودُ الْيَمِينِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ وَسُقُوطُهَا فِي الْبِرِّ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي.
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ عَلَى الْمَاضِي فِي إِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ، أَوْ نَفْيِ مَا قَدْ كَانَ، فَهِيَ يَمِينٌ مَحْلُولَةٌ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُنْتَظَرُ بَعْدَهَا مِنْ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ قَدِ اقْتَرَنَ بِهَا الْحِنْثُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ لَفْظِهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْيَمِينِ.
(فَصْلٌ:)
يَمِينُ الْكَافِرِ مُنْعَقِدَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِنْثُ، وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ كَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ حَنِثَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، لَكِنَّهُ إِنْ كَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ كَفَّرَ بِالْمَالِ مِنْ إِطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ عِتْقٍ، وَلَمْ يُكَفِّرْ بِالصِّيَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ كَالْمُسْلِمِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمِينُ الْكَافِرِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِذَا حَنِثَ، اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ؛ لافتقارها إلى النية ما بِدَلِيلِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، فَلَمْ تَصِحَّ مِنَ الْكَافِرِ كَالصِّيَامِ، وَالْقِيَامِ.
وَلِأَنَّ الْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ حَدٌّ مُوجِبُهُ التَّكْفِيرُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنَ الْكَافِرِ كَالصِّيَامِ.
وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ يَمِينُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا كَفَّارَةٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ مُوجِب الْيَمِينِ الْكَفَّارَةُ، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ مَنْ لَمْ يَصِحَّ تَكْفِيرُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ