يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل له أن يجلس ما لم ينضل ومنهم من يقول ليس له أن يجلس إلا من عذرٍ وأحسبه إن مرض مرضاً يضر بالرمي أو يصيب إحدى يديه علةٌ تمنعه من ذلك كان له أن يجلس ويلزمهم أن يقولوا إذا تراضيا على أصل الرمي الأول ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا جَلَسَ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ عَنِ الرَّمْيِ، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَأْخِيرَ الرَّمْيِ عَنْ وَقْتِهِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، وَطَلَبَ التَّأْخِيرَ أُخِّرَ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى التَّعْجِيلِ سَوَاءٌ قِيلَ بِلُزُومِهِ كَالْإِجَارَةِ أَوْ بِجَوَازِهِ كَالْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوْكَدَ مِنْ فَرْضِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَجُوزُ التَّأَخُّرُ عَنْهَا بِالْعُذْرِ وَأَعْذَارُهُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ مَا أَثَّرَ فِي نَفْسِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شَدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ أَثَّرَ فِي رَمْيِهِ مِنْ شِدَّةِ رِيحٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ أَثَّرَ فِي أَهْلِهِ مِنْ مَوْتٍ حَلَّ أَوْ حَادِثٍ نَزَلَ أَوْ أَثَّرَ فِي مَالِهِ مِنْ جَائِحَةٍ طَرَقَتْ أَوْ خَوْفٍ طَرَأَ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ عُذْرٌ، وَالْتَمَسَ بِهِ الدَّعَةَ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ، فَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى التَّعْجِيلِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْبَرُ عَلَيْهِ، إِذَا قِيلَ بِلُزُومِهِ كَالْإِجَارَةِ.
وَالثَّانِي: لَا يُجْبَرُ عَلَى تَعْجِيلِهِ إِذَا قِيلَ بِجَوَازِهِ كَالْجِعَالَةِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُرِيدَ بِالْجُلُوسِ عَنِ الرَّمْيِ فَسْخَ الْعَقْدِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي الْفَسْخِ أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ، فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي الْفَسْخِ، وَأَعْذَارُ الْفَسْخِ أَضْيَقُ وَأَغْلَظُ مِنْ أَعْذَارِ التَّأْخِيرِ وَهِيَ مَا اخْتَصَّتْ بِنَفْسِهِ مِنَ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ تَتِمَّةِ رَمْيِهِ، وَهِيَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَشَلَلِ يَدِهِ أَوْ ذَهَابِ بَصَرِهِ، فَالْفَسْخُ وَاقِعٌ بِحُدُوثِ هَذَا الْمَانِعِ، وَلَيْسَ يَحْتَاجُ إِلَى فَسْخِهِ بِالْقَوْلِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَرَضِ يَدِهِ أَوْ رَمَدِ عَيْنِهِ أَوْ علة جسده، فلا يتفسخ الْعَقْدُ بِحُدُوثِ هَذَا الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، لِإِمْكَانِ الرَّمْيِ بِإِمْكَانِ زَوَالِهِ، وَيَكُونُ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ طَلَبَ تَعْجِيلَ الرَّمْيِ، فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَعَذُّرِ التَّعْجِيلِ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ اسْتِحْقَاقُ هَذَا الْفَسْخِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْعَقْدِ بِهِ، وَإِنْ أَجَابَ صَاحِبَهُ إِلَى الْإِنْظَارِ بِالرَّمْيِ إِلَى زَوَالِ الْمَرَضِ، فَهَلْ يَكُونُ عُذْرُهُ فِي الْفَسْخِ بَاقِيًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ بَاقِيًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ؛ لِئَلَّا تَكُونَ ذِمَّتُهُ مُرْتَهِنَةً بِالْعَقْدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عُذْرَ الْفَسْخِ قَدْ زَالَ بِالِانْتِظَارِ، وَلَيْسَ لِلْمُنْظِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذَا الْإِنْظَارِ، وَإِنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْإِنْظَارِ بِالدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ عَيْبٍ رَضِيَ بِهِ وَجَرَى مَجْرَى الْإِنْظَارِ بِالْإِعْسَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِطَالِبِ الْفَسْخِ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ.