الحاوي الكبير (صفحة 7071)

قَرِيبٍ مُسْقِطًا لِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الرَّمْيِ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ، وَذَكَرَ مَذَاهِبَ الرُّمَاةِ فِيهِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُزَنِيُّ، إِمَّا لِاخْتِصَارِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِرَأْيِهِ لِضِيقِهِ وَكَثْرَةِ خَطَرِهِ، لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْإِصَابَةَ بَعْدَ إِثْبَاتِهَا، وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَوْعٌ مَعْهُودٌ فِي الرَّمْيِ، فَأَشْبَهَ الْمُحَاطَّةَ وَالْمُبَادَرَةَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى مُعَاطَاةِ الْحِذْقِ فَصَحَّ.

وَذَلِكَ فِي جَوَازِ النِّضَالِ عَلَى إصابة الجواب، وَكَانَ عَقْدُهُمَا عَلَى إِصَابَةِ خَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ فَلَهُمَا إِذَا تَنَاضَلَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْصُرَا عَلَى عَدَدِ الْإِصَابَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَوْفِيَا عدد الإصابة.

والثالث: أن يستوفيها أحدهما، ويقصر عنها الآخر.

فأما الحال الأول: وَهُوَ أَنْ يَقْصُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدَدِ الْإِصَابَةِ فَيُصِيبَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، فَقَدِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْعَقْدِ بِنُقْصَانِ الْإِصَابَةِ مِنَ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَاضِلٌ وَلَا مَنْضُولٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مَعَ نُقْصَانِ الْعَدَدِ.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ أَنْ يَسْتَوْفِيَا مَعًا عَدَدَ الْإِصَابَةِ، فَيُصِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةً فَصَاعِدًا، فَيُعْتَبَرَ حِينَئِذٍ حَالُ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ فِيهِمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْإِصَابَاتُ فِي الْهَدَفِ، وَقَدْ تَسَاوَتْ فِي الْقُرْبِ مِنَ الشَّنِّ، وَلَيْسَتْ بَعْضُهَا بِأَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضٍ، فَقَدْ تَكَافَآ وَلَيْسَ فِيهِمَا نَاضِلٌ وَلَا مَنْضُولٌ، وَهَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الشَّنِّ مِنْ بَاقِي سِهَامِهِ، وَتَسَاوَى السَّهْمَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الْقُرْبِ مِنَ الشَّنِّ كَانَا سَوَاءً لَا نَاضَلَ فِيهِمَا وَلَا مَنْضُولَ، فَإِنْ تَقَدَّمَ لِأَحَدِهِمَا سَهْمٌ وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ وَتَسَاوَتِ السِّهَامُ الثَّلَاثَةُ فِي قُرْبِهَا مِنَ الشَّنِّ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّه المتقرب بسهمين ناضل للمتقرب بِسَهْمٍ، لِفَضْلِهِ فِي الْعَدَدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا نَاضَلَ فِيهِمَا وَلَا مَنْضُولَ، لِأَنَّ نِضَالَ الجواب مَوْضُوعٌ عَلَى الْقُرْبِ دُونَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ سِهَامُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ إِلَى الشَّنِّ مِنْ سِهَامِ الْآخَرِ، فَأَقْرَبُهُمَا إِلَى الشَّنِّ هُوَ النَّاضِلُ، وَأَبْعَدُهُمَا مِنَ الشَّنِّ هُوَ الْمَنْضُولُ. وَهَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015