يَكْمُلُ بِهِ إِصَابَةُ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً، فَإِنْ رَمَى الْأَوَّلُ سَهْمًا فَأَصَابَ فَقَدْ فَلَجَ عَلَى الثَّانِي، وَنَضَلَ وَسَقَطَ رَمْيُ الثَّانِي، وَلَوْ رَمَى الْأَوَّلُ خَمْسَةً، فَأَخْطَأَ فِي جَمِيعِهَا، وَرَمَى الثَّانِي خَمْسَةً فَأَصَابَ فِي جَمِيعِهَا صَارَ الثَّانِي نَاضِلًا وَسَقَطَ رَمْيُ الثَّانِي فِي الرَّشْقِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَابَ تسعة من خمس وَعِشْرِينَ وَأَصَابَ الثَّانِي عَشَرَةً مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الْعِبْرَةِ.
فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَصُورَتُهَا أَنْ يَتَنَاضَلَا عَلَى إِصَابَةِ عَشَرَةٍ مِنْ ثلاثين مبادرة، فيصيب البادئ منهما تسعة من تِسْعَةَ عَشَرَ، وَيُصِيبُ الْآخَرُ الْمُبْدَأُ ثَمَانِيَةً مِنْ تسعة عشر، ثم رمى الْبَادِئُ سَهْمًا آخَرَ يَسْتَكْمِلُ بِهِ الْعِشْرِينَ فَيُصِيبُ، فَيَصِيرُ بِهِ نَاضِلًا، وَيُمْنَعُ الْآخَرُ الْمُبْدَأُ مِنْ رَمْيِ السَّهْمِ الْآخَرِ الَّذِي رَمَاهُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ نِضَالًا وَلَا مُسَاوَاةً لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَهُ مِنَ الْعِشْرِينَ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ إِصَابَتَانِ، وَلَوْ رَمَى فَأَصَابَهُ بَقِيَتْ عَلَيْهِ إِصَابَةٌ يَكُونُ بِهَا مَنْضُولًا، فَلَمْ يَكُنْ لِرَمْيِهِ مَعْنًى يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَقْدِ، فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَصَابَ تِسْعَةً مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ وَأَصَابَ، كَانَ لِلْمُبْدَأُ أَنْ يَرْمِيَ لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَ فَيُكَافَئَ. فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَظَنَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَنَعَ الْمُبْدَأَ أَنْ يَرْمِيَ بِالسَّهْمِ الْبَاقِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، بَلْ أَرَادَ مَنْعَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.
فأما الحواب فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّمْيِ، وَهِمَ فِيهِ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ، فَجَعَلَهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ السَّهْمِ، وَسَمَّاهُ حَوَابِيَ بِإِثْبَاتِ الْبَاءِ فِيهِ، وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ السَّهْمُ الْوَاقِعُ دُونَ الْهَدَفِ ثُمَّ يَحْبُو إِلَيْهِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَبْوِ الصَّبِيِّ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الرَّمْيِ الْمُزْدَلِفِ يَفْتَرِقَانِ في الاسم لأن المزدلف أحدٌ والجابي أَضْعَفُ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَالَّذِي قَالَهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْحَوَابَ نَوْعٌ مِنَ الرَّمْيِ وَأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّمْيِ ثَلَاثَةٌ:
الْمَحَاطَّةُ - وَالْمُبَادَرَةُ - وَالْحَوَابُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمُحَاطَّةَ وَالْمُبَادَرَةَ.
فَأَمَّا الْحَوَابُ فَهُوَ أَنْ يُحْتَسَبَ بِالْإِصَابَةِ فِي الشَّنِّ وَالْهَدَفِ وَيُسْقِطَ الْأَقْرَبُ إِلَى الشَّنِّ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الشَّنِّ وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا الْهَدَفَ عَلَى شِبْرٍ مِنَ الشَّنِّ فَاحْتُسِبَ لَهُ ثُمَّ أَصَابَ الْآخَرُ الْهَدَفَ عَلَى فَتْرٍ مِنَ الشَّنِّ احْتُسِبَ لَهُ وَأُسْقِطَ إِصَابَةُ الشَّنِّ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ، ولو أصاب أحدها خَارِجَ الشَّنِّ وَاحْتُسِبَ بِهِ، وَأَصَابَ الْآخَرُ فِي الشَّنِّ احْتُسِبَ بِهِ، وَأُسْقِطَ إِصَابَةُ خَارِجِ الشَّنِّ.
وَلَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا الشَّنَّ فَاحْتُسِبَ بِهِ، وَأَصَابَ الْآخَرُ الدَّارَةَ الَّتِي فِي الشَّنِّ احْتُسِبَ بِهِ وَأُسْقِطَ إِصَابَةُ الشَّنِّ، وَلَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا الدَّارَةَ الَّتِي فِي الشَّنِّ فَاحْتُسِبَ بِهِ وَأَصَابَ الْآخَرُ الْعَظْمَ الَّذِي فِي دَارَةِ الشَّنِّ احْتُسِبَ وَأُسْقِطَ إِصَابَةُ الدَّارَةِ فَيَكُونُ كُلُّ