الْغُرَابَ، وَقَدْ أَذِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَتْلِهِ لِلْمُحْرِمِ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا، وَاللَّهِ مَا هُوَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَمَا يُشْبِهُ الْغُرَابَ، وَلَيْسَ بِغُرَابٍ الزَّاغُ، وَالْغُدَافُ فَأَمَّا الزَّاغُ فَهُوَ غُرَابٌ الزَّرْعِ، وَأَمَّا الْغُدَافُ فَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ أَغْبَرُ اللَّوْنِ كَالرَّمَادِ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ، لِشَبَهِهَا بِالْغُرَابِ، وَانْطِلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَمِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ أَكْلَهَا حَلَالٌ، لِأَنَّهُمَا يَلْقُطَانِ الْحَبَّ، وَيَأْكُلَانِ الزَّرْعَ وَلَحْمُهُمَا مُسْتَطَابٌ، وَكُلُّ طَائِرٍ حَرُمَ أَكْلُ لَحْمِهِ حَلَّ أَكْلُ بَيْضِهِ.
قَالَ الشافعي: " وَكَذَلِكَ تَتْرُكُ الْعَرَبُ اللُّحَكَاءَ وَالْعِظَاءَ وَالْخَنَافِسَ فَكَانَتْ داخلةٌ فِي مَعْنَى الْخَبَائِثِ وَخَارِجَةً مِنْ مَعْنَى الطيبات فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ما وصفت فانظر ما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل فإن كانت العرب تأكله فهو داخلٌ في جملة الحلال والطيبات عندهم لأنهم كانوا يحللون ما يستطيبون وما لم يكونوا يأكلونه باستقذاره فهو داخلٌ في معنى الخبائث ولا بأس بأكل الضب وضع بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعافه فقيل: أحرامٌ هو يا رسول الله؟ قال: " لا ولكن لم يكن بأرض قومي " فأكل منه بين يديه وهو ينظر إليه ولو كان حراماً ما تركه وأكله ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، حَشَرَاتُ الْأَرْضِ وَهَوَامُّهَا حَرَامٌ فَالْهَوَامُّ مَا كَانَ مُؤْذِيًا كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَحَشَرَاتُهَا مَا لَيْسَ بِمُؤْذٍ، كَالْخَنَافِسِ، وَالْجُعْلَانِ، وَالدِّيدَانِ والنمل، والوزع وَالْعِظَاءِ، وَاللُّحَكَاءِ وَهِيَ دُوَيْبَةٌ كَالسَّمَكَةِ تَسْكُنُ فِي الرِّمَالِ إِذَا أَحَسَّتْ بِالْإِنْسَانِ غَاصَتْ فِيهِ، وَهِيَ صَقِيلَةُ الْجِلْدَةِ، وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُ أَنَامِلَ الْمَرْأَةِ بِهَا، والوزع وَهُوَ كَالسَّمَكَةِ خَشِنَةُ الْجِلْدِ، وَيَعْرُضُ مُقَدَّمُهَا، وَيَدُقُّ مُؤَخَّرُهَا، فَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ.