وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَرِوَايَةُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مخلبٍ مِنَ الطَّيْرِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " يُؤْكَلُ مَا دَفَّ وَلَا يُؤْكَلُ مَا صَفَّ "، يُرِيدُ مَا حَرَّكَ جَنَاحَهُ كَالْحَمَامِ وَغَيْرِهِ يُؤْكَلُ، وَمَا صَفَّ جَنَاحَيْهِ وَلَمْ يُحَرِّكْهُمَا كَالصُّقُورِ وَالنُّسُورِ، لَا يُؤْكَلُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُم صَافَّاتٍ) {تبارك: 19) .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا عَدْوَى فِيهِ، فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا اغْتَذَى بِالْمَيْتَةِ وَالْجِيَفِ كالغباث وَالرَّخْمِ، فَأَكْلُه حَرَامٌ، لِخُبْثِ غِذَائِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ مُسْتَخْبَثًا كَالْخَطَاطِيفِ وَالْخَشَاشِيفِ، فَأَكْلُهُ حَرَامٌ، لِخُبْثِ لَحْمِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَمْ يَخْبُثْ غِذَاؤُهُ، وَلَا لَحْمُهُ كَالْحُبَارَى وَالْكَرَوَانِ، فَأَكْلُهُ حَلَالٌ.
رَوَى سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَحْمَ حُبَارَى.
وَيُقَاسُ عَلَى أَصْلِه هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مَا فِي نَظَائِرِهَا، فَمِنْ ذَلِكَ الْهُدْهُدُ أَكْلُهُ حَرَامٌ، وَقَدْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وكذلك الشقران وَالْعَقْعَقُ ولِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَأَمَّا الْغُرَابُ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ الْأَسْوَدُ مِنْهُ وَالْأَبْقَعُ سَوَاءٌ.
وَحُكِيَ عن الشعبي أنه أباح أكله وقال في دَجَاجَةٍ مَا أَسَمَنَهَا؟ وَقَالَ آخَرُونَ: يُؤْكَلُ مِنْهُ الْأَسْوَدُ دُونَ الْأَبْقَعِ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَاحَ قَتْلَهُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.
وقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عِنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنِّي لِأَعْجَبُ مِمَنْ يَأْكُلُ