عَبْدٍ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهَذَا الْإِيجَابِ عن مِلْكِهِ إِجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ إِيجَابُ الْأُضْحِيَّةِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ احْتِجَاجًا.
وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى تَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ كَالزَّكَاةِ إِذَا وَجَبَتْ فِي الْمَالِ.
وَلِأَنَّ الْقَصْدَ فِي إِيجَابِهَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ لَحْمِهَا وَانْتِفَاعِهِمْ بِلَحْمِ غَيْرِهَا كَانْتِفَاعِهِمْ بِلَحْمِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا.
وَلِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ مَمْلُوكَةٌ فَلَمَّا لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلْفُقَرَاءِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمُضَحِّي.
وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي بَدَنَةً وَقَدْ طُلِبَتْ مِنِّي بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا، فَقَالَ انْحَرْهَا وَلَا تَبِعْهَا وَلَوْ طُلِبَتْ بِمَائَةِ بعيرٍ.
فَلَمَّا مَنَعَهُ مِنَ الْبَيْعِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي الثَّمَنِ وَأَمَرَهُ بِالنَّحْرِ دَلَّ عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ وَوُجُوبِ النَّحْرِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً فَلَا يَسْتَبْدِلْ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ مَعَ انْتِشَارِ قَوْلِهِ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ.
وَلِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِالْأُضْحِيَّةِ مِنَ النَّعَمِ كَمَا يَتَقَرَّبُ بِالْعَبِيدِ فِي الْعِتْقِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْعِتْقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ إِجْمَاعًا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ مُزِيلَةً لِلْمِلْكِ احْتِجَاجًا.
وَلِأَنَّ كُلَّ إِيجَابٍ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ كَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ.
وَلِأَنَّ حُكْمَ الْأُضْحِيَّةِ يَسْرِي إِلَى وَلَدِهَا، وَكُلُّ حُكْمٍ أَوْجَبَ سِرَايَتهُ إِلَى الْوَلَدِ زَالَ بِهِ الْمِلْكُ كَالْبَيْعِ طَرْدًا وَالْإِجَارَةِ عَكْسًا.
وَلِأَنَّ الْمُضَحِّيَ يَضْمَنُ الْأُضْحِيَّةَ لَوْ أَتْلَفَهَا، وَكُلَّ مَا ضَمِنَهُ الْمُتْلِفُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ خَرَجَ بِهِ الْمَضْمُونُ عَنْ مِلْكِ ضَامِنِهِ كَالْهِبَةِ طَرْدًا وَالْعَارِيَةِ عَكْسًا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي دَيْنِ نَفْسِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ وَلَا يَضْمَنُ رَقَبَتَهُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اشْتِرَاكِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْهَدْيِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: