وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إِنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ أُضْحِيَّةً لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللهُ لُحُومِهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) {الحج: 37) يَعْنِي إِخْلَاصَ الْقُلُوبِ بِالنِّيَّاتِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ قَدْ وَجَبَتْ وَيُؤْخَذُ بِذَبْحِهَا، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ تَجِبْ وَلَهُ بَيْعُهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا عَلَى نِيَّتِهِ حَتَّى ضَحَّى بِهَا فَهَلْ تَصِيرُ بِالذَّبْحِ بَعْدَ النِّيَّةِ أُضْحِيَّةً أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالذَّبْحِ مَعَ تَقَدُّمِ النِّيَّةِ.
وَالثَّانِي: تَصِيرُ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِعْلٌ ظَاهِرٌ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالنِّيَّةِ صَارَ آكَدَ مِنَ الْقَوْلِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، فَصَارَ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ أُضْحِيَّةً ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ.
وَالثَّانِي: بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا.
وَالثَّالِثُ: بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ.
فَأَمَّا الْهَدَايَا فَفِيمَا يُوجِبُهَا الشَّافِعِيُّ قَوْلَانِ، وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، فَيَقُولُ: قَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ الْبَدَنَةَ هَدْيًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْقَدِيمُ إِنَّهَا تَصِيرُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ هَدْيًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ علم ظاهر كالقول.
والثالث: هو أَحَدُ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَصِيرُ هَدْيًا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْهَا، وَيُشْعِرْهَا كَالْأُضْحِيَّةِ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا: أَنَّهَا تَصِيرُ هدياًَ بِالذَّبْحِ مَعَ النِّيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قال الشافعي: " فَإِذَا أَوْجَبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهَا بحالٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَوْجَبَ الْأُضْحِيَّةَ وَعَيَّنَهَا خَرَجَتْ بِالْإِيجَابِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمَنَعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَوَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا وَحِفْظُهَا إِلَى وَقْتِ نَحْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا تَخْرُجُ بِالْإِيجَابِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَيَكُونُ بِإِيجَابِهَا مُخَيَّرًا بَيْنَ ذَبْحِهَا أَوْ ذَبْحِ غَيْرِهَا؛ احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ عَامَ حَجِّهِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ فَأَشْرَكَهُ فِيهَا، وَلَوْ خَرَجَتْ بِالْإِيجَابِ عَنْ مِلْكِهِ مَا جَعَلَ فِيهَا شِرْكًا لِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عتق