وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) {المائدة: 5) فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الضَّحَايَا وَغَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ صَحَّ أَنْ يَذْبَحَ الْأُضْحِيَّةَ كَالْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَبْحٌ يَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ فَصَحَّ مِنَ الْكِتَابِيِّ كَالذَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ مَعُونَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْقُرْبِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِجْزَاءِ كَاسْتِنَابَتِهِ فِي تَفْرِيقِ الزِّكْوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إِلَّا طَاهِرٌ " فَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا مُطَهِّرًا لِلضَّحَايَا، وَهُوَ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، فَمَنَعَ بِهِ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمَعْنَى فِي مَنْعِ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ. ذَبْحُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ " وَذَبْحُ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنَ امرأةٍ حائضٍ وصبيٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَبْحِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا ذَبْحُ النِّسَاءِ فَجَائِزٌ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ كَالرِّجَالِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَلِينَ ذَبْحَ هَدْيَهِنَّ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَفْحِ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَ سُوقِ الْمَدِينَةِ تَرْعَاهَا جَارِيَةٌ لَهُ، وَكَادَتْ شَاةٌ مِنْهَا تَمُوتُ، فَأَخَذَتِ الْجَارِيَةُ حَجَرًا، فَكَسَرَتْهُ، وَذَبَحَتْ بِهِ الشَّاةَ، فَزَعَمَ كَعْبٌ أَنَّهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: " كُلُوا شَاتَكُمْ " فَدَلَّ هَذَا الحديث على أحكام منها: إِبَاحَةُ ذَبَائِحِ النِّسَاءِ.
وَالثَّانِي: جَوَازُ الذَّبْحِ بِالْحَجَرِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَا ذَبَحَهُ غَيْرُ مَالِكِهِ حَلَّ أَكْلُهُ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ ذَكَاةَ مَا أَشَفَى عَلَى الْمَوْتِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ طَاهِرًا أَوْ حَائِضًا غَيْرَ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُكْرَهُ ذَبِيحَتُهَا بِغَيْرِ الضَّحَايَا وَاخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ ذَبْحِهَا لِلضَّحَايَا وَإِنْ أَجْزَأَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغُ فَذَبِيحَتُهُ مَكْرُوهَةٌ فِي الضَّحَايَا وَغَيْرِهَا، وَإِنْ أَجْزَأَتْ لِصِغَرِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الذَّبْحِ؛ وَلِقُصُورِهِ عَنِ التَّكَالِيفِ وَذَبِيحَتُهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ ذَبِيحَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ كَافِرٍ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ فِي إِبَاحَةِ ذَكَاتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إِلَّا أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَبْحِ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ أَقْوَى، وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَخَرَّجَ فِي ذَكَاتِهِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا هَلْ يَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى الْخَطَأِ، فَإِنْ جَعَلَ عَمْدَهُ خَطَأً لَمْ تَحِلَّ ذَكَاتُهُ وَهَذَا زَلَلٌ، لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي إِبَاحَةِ الذَّكَاةِ سَوَاءٌ.