وَالثَّالِثُ: أَنْ يُبَالِغَ فِي الْقَطْعِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى قَطْعِ النُّخَاعِ وَهُوَ عِرْقٌ فِي الصُّلْبِ يَمْتَدُّ إِلَى الْقَفَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَأَمَّا الْفَرَسُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ كَسْرُ الْعَظْمِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ قَطْعُ الرَّأْسِ مَأْخُوذٌ مِنِ افْتِرَاسِ السُّبُعِ وَلَيْسَ فِي النَّخْعِ وَلَا الْفَرَسِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ مَانِعٌ مِنَ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ كَانَا مَكْرُوهَيْنِ لِحُدُوثِهِمَا بَعْدَ كَمَالِ الذَّكَاةِ وَإِنْ كَانَتِ الرُّوحُ بَاقِيَةً وَأَشَدُّهُمَا كَرَاهَةً أَشَدُّهُمَا تَعْذِيبًا وألماً.
قال الشافعي: " قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَ الْمَنَاسِكَ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مسلمٌ فَإِنْ ذَبَحَ مشركٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَ عَلَى كَرَاهِيَتِي لِمَا وَصَفْتُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَوْلَى بِالْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي أَنْ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ وَهَدْيِهِ لِرِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ساق مائة بدنة فنحر بيده منها ثلاث وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَحَرَ مَا بَقِيَ.
وَرَوَى نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرُ نِسَاءَهُ أَنْ يَلِينَ ذَبْحَ هَدْيَهِنَّ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فَكَانَ قِيَامُهُ بِهَا أَفْضَلَ مِنِ اسْتِنَابَتِهِ فِيهَا، فَإِنِ اسْتَنَابَ فِيهَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَنَابَ عَلِيًّا فِي نَحْرِ مَا تَبَقَّى مِنْ هَدْيِهِ، وَيَخْتَارُ أَنْ يَحْضُرَ ذَبْحَهَا إِذَا اسْتَنَابَ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ قِيلَ: إِنَّهَا فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: " احْضُرِي ذَبْحَ نَسِيكَتِكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قطرةٍ " وَيَخْتَارُ إِذَا اسْتَنَابَ فِي ذَبْحِهَا أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا خِيَارَ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ قِيَامَهُمْ بِالْقُرْبِ أَفْضَلُ، وَمَنِ اسْتَنَابَ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْزَأَ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، فَإِنِ اسْتَنَابَ فِي ذَبْحِهَا كَافِرًا لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْمَجُوسِ أَوْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لا تؤكل. القول في ذبيحة الكتابي للأضحية
وَإِنْ كَانَ مَأْكُولُ الذَّبِيحَةِ كَالْكِتَابِيِّ حَلَّتْ وَكَانَتْ أُضْحِيَّةً وَإِنْ كَانَ قِيَامُ الْكَافِرِ بِهَا مَكْرُوهًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ شَاةُ لَحْمٍ يَحِلُّ أَكْلُهَا، وَلَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً؛ احْتِجَاجًا لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إِلَّا طَاهِرٌ " يُرِيدُ إِلَّا مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ فَأَشْبَهَ الْمَجُوسِيَّ.