الحاوي الكبير (صفحة 6944)

الْوَدَجَيْنِ، فَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَاسْتَثْنَى الْوَدَجَيْنِ حَلَّ الذَّبْحُ، وَإِنْ كَانَ اسْتِبْقَاءُ الْوَدَجَيْنِ بَعْدَ قطع الحلقوم متعزراً لَا يَتَكَلَّفُ؛ لِأَنَّهُمَا يَكْتَنِفَانِ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ مِنْ جَانِبِهِمَا، فَإِنْ تَكَلَّفَ وَاسْتَبْقَاهُمَا جَازَ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ إِلَّا بِقَطْعِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا، فَإِنِ اسْتَبْقَى مِنْهَا شَيْئًا لَمْ تَحِلَّ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا تَحِلُّ الذَّبِيحَةُ إِلَّا بقطع أكثر الأربعة كلها إذا قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرَهُ وَتَرَكَ أَقَلَّهُ حَلَّ فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا وَاحِدًا لَمْ يَقْطَعْ أَكْثَرَهُ لَمْ تَحِلَّ.

وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ إِلَّا بِقَطْعِ أَكْثَرِهَا عَدَدًا وَهُوَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَأَحَدُ الْوَدَجَيْنِ احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلُوا مَا لَمْ يكن فرض نَابٍ أَوْ حَزَّ طَعْنٍ " فَجَعَلَ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ؛ وَلِأَنَّ مَخْرَجَ الدَّمِ مِنَ الْأَوْدَاجِ، فَكَانَ قَطْعُهَا أَخَصَّ بِالذَّكَاةِ وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: " قلنا: يا رسول الله إنا لاقوا العدو وغداً أَفَنُذَكِّي بِاللِّيطَةِ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ فَإِنَّ السِّنَّ عظمٌ مِنَ الْأَسْنَانِ وَالظُّفْرَ مُدَى الْحَبَشَةِ " فَاعْتَبَرَهَا بِمَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءُ مَنْهَرٌ لِلدَّمِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ الْإِجْزَاءُ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الذَّكَاةِ فَوَاتُ النَّفْسِ بِأَخَفِّ أَلَمٍ؛ لِرِوَايَةِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى كُلِّ شيءٍ الْإِحْسَانَ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَلِيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " وَالْأَسْهَلُ فِي فَوَاتِ الرُّوحِ انْقِطَاعُ النَّفَسِ، وَهُوَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ أَخَصُّ، وَبِقِطَعِ الْمَرِيءِ، لِأَنَّهُ مَسْلَكُ الْجَوْفِ، وَلَيْسَ بَعْدَ قَطْعِهِمَا حَيَاةٌ، وَالْوَدَجَانِ قَدْ يُسَلَّانِ مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ فَيَعِيشَانِ، فَكَانَ اعْتِبَارُ الذَّكَاةِ بِمَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهَا بِمَا تَبْقَى معه حياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015