فَأَمَّا دَمُهُ فَمَنْ جَعَلَ ذَكَاتَهُ شَرْطًا جَعَلَ دَمَهُ نَجِسًا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَكَاتَهُ شَرْطًا وَجَعَلَهُ كَالْحُوتِ فِي اسْتِبَاحَتِهِ بِمَوْتِهِ، فَفِي دَمِهِ وَدَمِ جَمِيعِ السَّمَكِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَجِسٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ المَيْتَةُ وَالدَّمُ} (المائدة: 3) .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ دَمَهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ دَمَ الْحَيِّ كَلَحْمِ الْمَيْتِ، فَلَمَّا خَالَفَ حَيَوَانَ الْبَرِّ فِي طَهَارَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ خَالَفَ فِي طَهَارَةِ دمه، والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وسواءٌ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ مجوسيٍّ أَوْ وثنيٍّ لَا ذَكَاةَ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ الْحُوتُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى ذَكَاةٍ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي إِبَاحَتِهِ كَالذَّكَاةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْطَادَهُ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ وَثَنِيٌّ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهِ، وَهُمْ فِي صَيْدِهِ كَمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا كَانَ مَوْتُهُ ذَكَاتَهُ اسْتَوَى فِيهِ أَهْلُ الذَّكَاةِ وَغَيْرُ أَهْلِ الذَّكَاةِ كَالْجَرَادِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ إِذَا مَاتَ أَوْ أُمِيتَ مِنْ يَدِ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ الْجَرَادُ حَتَّى يُقْطَفَ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُحلت لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، الْحَوْتُ وَالْجَرَادُ " وَلِأَنَّ قَطْفَ رَأْسِهِ إِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ فِيهِ تَعْذِيبٌ لِذِي رُوحٍ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَلَيْسَتِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ صَيْدِهَا مَسْنُونَةً، وَلَا وَرَدَ بِهَا شَرْعٌ، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ حَسَنًا.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وسواءٌ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَطَفَا مِنْ مَيْتَتِهِ أَوْ أُخِذَ حَيًّا، أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أُحلت لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ " الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ والدمان أحسبه قال الكبد والطحال وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وقال الله جل ثناؤه {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَللسَّيَّارَةِ} وهذا عمومٌ فمن خص منه شيئاً فالمخصوص لا يجوز عند أهل العلم ألا بسنة أو إجماع الذين لا يجهلون ما أراد الله (قال المزني) رحمه الله ولو جاز أن يحرم الحوت وهو ذكي لأنه طفا لجاز أن يحرم المذكى من الغنم إذا طفا وفي ذلك دليلٌ، وبالله التوفيق ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا مَاتَ السَّمَكُ فِي الْمَاءِ حَلَّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ شِدَّةِ بَرْدِ الْمَاءِ، أَوْ شِدَّةِ حَرَارَتِهِ أَوْ نَضَبَ عَنْهُ حَتَّى صَارَ عَلَى الْيُبْسِ أَوْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَسَوَاءٌ طَفَا عَلَى الْمَاءِ حَتَّى ظَهَرَ أَوْ رَسَبَ فِي قَرَارٍ فَلَمْ يَظْهَرْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ.