وَأَخَذَهُ الْآخَرُ كَانَ لِلْآخِذِ دُونَ النَّابِشِ، فَلَوْ وَقَعَتْ أَيْدِيهُمَا عَلَيْهِ كَانَ لِأَسْبَقِهِمَا يَدًا، فَإِنِ اسْتَوَتْ أَيْدِيهِمَا مَعًا كَانَ بَيْنَهُمَا يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ أَخَذَ بِرَأْسِهِ وَمَنْ أَخَذَ بِرِجْلِهِ أَوْ ذَنَبِهِ، وَلَا يُقْسَمُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ، وَمَوَاضِعِهِمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى بَعْضِهِ يَدٌ عَلَى جَمِيعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ تَنَازَعَا عَلَى دَابَّةٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا رَأْسُهَا وَفِي يَدِ الْآخَرِ ذَنَبُهَا كَانَا فِي الْيَدِ عَلَيْهَا سَوَاءً.
وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ بِعَدْوِهِ أَوْ طَيَرَانِهِ، فَيُمْلَكُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: بِالْأَخْذِ وَالتَّنَاوُلِ بِأَنْ يُظْفَرَ بِهِ فِي بَيْتِهِ، أَوْ يَعْقِلَهُ عَلَى مَائِهِ أَوْ حَضَانَةِ وَلَدِهِ وَبَيْضِهِ، فَيَصِيرُ بِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى امْتِنَاعِهِ لَوْ أُرْسِلَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ أَوْ شَرَكِهِ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ، فَيَصِيرُ بِحُصُولِهِ فِيهَا مِلْكًا لِوَاضِعِ الشَّبَكَةِ وَالشَّرَكِ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَسَوَاءٌ عَقَرَتْهُ الشَّبَكَةُ أَوْ لَمْ تَعْقِرْهُ، إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخَلَاصِ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ وَيَصِيرَ بِوُقُوعِهِ فِيهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ صَارَ الْآخذُ لَهُ أَمْلَكَ بِهِ، كَالْعَبْدِ إِذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ كَانَ مَالِكُ الدَّارِ أَحَقَّ بِأَخْذِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ صَارَ الْآخِذُ لَهُ أَمْلَكَ بِهِ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ، فَإِنْ أَفْضَتِ الشَّبَكَةُ بِاضْطِرَابِ الصَّيْدِ فِيهَا إِلَى عَجْزِهِ عَنِ الْخَلَاصِ مِنْهَا، فَقَدْ مَلَكَهُ حينئذٍ صَاحِبُ الشَّبَكَةِ، وَإِنْ أَخَذَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ غَيْرُهُ، كَانَ صَاحِبُ الشَّبَكَةِ أَحَقَّ بِهِ، وَلَوْ تَقَطَّعَتِ الشَّبَكَةُ فَأَفْلَتَ الصَّيْدُ مِنْهَا. نُظِرَ فِي قِطَعِ الشَّبَكَةِ، فَإِنْ قَطْعَهَا الصَّيْدُ الْوَاقِعُ فِيهَا عَدَا بَعْدَ انْفِلَاتِهِ إِلَى حَالِ الْإِبَاحَةِ وَمَلَكَهُ مَنْ صَادَهُ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّ الشَّبَكَةَ لَمْ تُثْبِتْهُ، وَلَوْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ مِنْ صيودٍ آخَرَ اجْتَمَعَتْ عَلَى قَطْعِهَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، لَا يَزُولُ عَنْهُ بِانْفِلَاتِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَثْبَتَتْهُ، فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ إِذَا صَادَهُ، وَيَسْتَرْجِعُهُ منه كالعبد الآبق والبعير والشارد، فَإِنْ كَانَتِ الشَّبَكَةُ فَارِغَةً، فَاضْطَرَّ الصَّيْدَ غَيْرَ وَاضِعٍ الشَّبَكَةَ إِلَيْهِ، فَوَقَعَ فِيهَا بِطَرْدِهِ إِلَيْهَا، كَانَ مِلْكًا لِوَاضِعِ الشَّبَكَةِ دُونَ طَارِدِهِ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَهُ بِالشَّبَكَةِ دُونَ الطَّرْدِ فَلَوْ وَضَعَ الشَّبَكَةَ غَيْرُ مَالِكِهَا كَانَ الصَّيْدُ مِلْكًا لِوَاضِعِهَا دُونَ مَالِكِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَعِيرًا أَوْ غَاصِبًا، وَعَلَيْهِ إِنْ غَصَبَ أُجْرَةَ مِثْلِهَا، فَلَوْ حَضَرَ مَالِكُ الشَّبَكَةِ، بَعْدَ وَضْعِهَا، فَإِنْ كَانَ مُعِيرًا كَانَ وَاضِعُهَا أَحَقَّ بِالصَّيْدِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَغْصُوبًا كَانَ مَا وَقَعَ فِيهِ قَبْلَ حُضُورِهِ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، وَمَا وَقَعَ بَعْدَ حُضُورِهِ مَلِكًا لِلْمَغْصُوبِ إِنْ رَفَعَ يَدَ الْغَاصِبِ، وَمِلْكًا لِلْغَاصِبِ إِنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهَا إِذَا رُفِعَتْ يَدُهُ، فَصَارَ وَضْعُهَا قَبْلَ وَضْعِ يَدِهِ مَنْسُوبًا إِلَى الْغَاصِبِ وَبَعْدَ رَفْعِ يَدِهِ مَنْسُوبًا إِلَى الْمَغْصُوبِ.
وَالثَّالِثُ: الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ أَنْ يُثْبِتَهُ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى عدوٍ وَلَا طَيَرَانٍ وَهَذَا الْإِثْبَاتُ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ: