وما دخل فيه من اختلاف الأحاديث ومن كتاب الواقدي واختلاف الأوزاعي وأبي حنيفة رحمة الله عليهم باب من يلحق بأهل الكتاب)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " انْتَوَتْ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَخَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدَرِ دَوْمَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ مِنْ كِنْدَةَ وَمِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَعَامَّتُهُمْ عَرَبٌ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ عَرَبٌ، فَدَلَّ مَا وَصَفْتُ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْأَحْسَابِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَدْيَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: والأصل في أخذ الجزية وأن يَصِيرَ الْمُشْرِكُونَ بِهَا أَهْلَ ذِمَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخر} إِلَى أَنْ قَالَ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . أَمَّا قَوْلُهُ هَاهُنَا: {قَاتِلُوا} فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَعْنِي جَاهِدُوا.
وَالثَّانِي: اقْتُلُوا، فَعَبَّرَ عَنِ الْقَتْلِ بِالْمُقَاتَلَةِ لِحُدُوثِهِ فِي الأغلب عن القتال، وفي قوله: {الذين لا يؤمنون بالله} وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: لَا يُؤْمِنُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لِأَنَّ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ إِيمَانٌ بِالرُّسُلِ وَإِلَّا فَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ مَعْبُودٌ.
وَفِي قوله: {ولا باليوم الآخر} وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِقْرَارَهُمْ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوجِبُ الْإِقْرَارَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، فَصَارُوا بِتَرْكِ الْإِقْرَارِ بِحُقُوقِهِ كَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ وَعِيدَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، فَذَمَّهُمْ ذَمَّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ باليوم الآخر.
وقوله: {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ^) فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَا أَمَرَ بِنَسْخِهِ من شرائعهم.