وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ هِرٌّ فَأَكَلَتْ حَمَامَ قَوْمٍ، أَوْ أَفْسَدَتْ طَعَامَهُمْ، أَوْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِهِمْ فَهَذَا عَلَى ضربين:
أحدهما: أن يكون الكلب والهر ضَعِيفَيْنِ غَيْرَ ضَارِيَيْنِ، فَلَا يَلْزَمُ أَرْبَابَهُمَا حِفْظُهُمَا ليلاً ولا نهاراً، فلا يجب عليهم ضَمَانُ مَا أَفْسَدَاهُ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ.
والضرب الثاني: أن يكون الهر قوياً ضارباً، وَالْكَلْبُ شَدِيدًا عَقُورًا، فَعَلَى أَرْبَابِهِمَا حِفْظُهُمَا فِي اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَفْسَدَاهُ لَيْلًا، وَنَهَارًا، فَيَسْتَوِي فِيهِمَا حُكْمُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَسُقُوطِهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُ الْمَوَاشِي فِي ضَمَانِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: السُّنَّةُ الَّتِي فَرَّقَتْ فِي الْمَوَاشِي بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَطْلَقَتْ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي حُكْمَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَالثَّانِي: الْعُرْفُ، وَالْعَادَةُ، فِي رَعْيِ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ، وَحَبْسِهَا فِي اللَّيْلِ، وَالتَّسْوِيَةُ فِي الْهِرِّ وَالْكَلْبِ، بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، والله أعلم.
قال الشافعي: " وَالْوَجْهُ الثَّانِي إِنْ كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ فِيهَا أَوْ ذَنَبِهَا مِنْ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ فَهُوَ ضَامِنٌ له لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما أتلفت به أحداً وكذلك إن كان سائقا أو قائداً وكذلك الإبل المقطورة بالبعير الذي هو عليه لأنه قائد لها وكذلك الإبل يسوقها ولا يجوز إلا ضمان ما أصابت الدابة تحت الرجل ولا يضمن إلا ما حملها عليه فوطئته فأما من ضمن عن يدها ولم يضمن عن رجلها فهذا تحكم وأما مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أن " الرجل جبار) فهو خطأ لأن الحفاظ لم يحفظوه هكذا) .
قال الماوردي: وهذا صَحِيحٌ وَهُوَ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَمَانِ الْبَهَائِمِ أَنْ تَكُونَ سَائِرَةً وَلَا تَكُونُ رَاعِيَةً وَلَهَا حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا صَاحِبُهَا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا.
فَإِنْ كَانَ مَعَهَا صاحبها ضمن جميع ما أتلفته برأسها ويدها ورجلها وذنبها سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا. أَوْ قَائِدًا، أَوْ سَائِقًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ سَائِقًا ضَمِنَ جميع ذلك كله، كَقَوْلِنَا، وَإِنْ كَانَ قَائِدًا، أَوْ رَاكِبًا ضَمِنَ ما أتلفته برأسها، ويدها، ولم يضمن ما أتلفته برجلها، وذنبها،