بِاللَّيْلِ، دُونَ النَّهَارِ، فَلِذَلِكَ صَارَ رَعْيُ النَّهَارِ هَدَرًا لِوُجُوبِ الْحِفْظِ فِيهِ عَلَى أَرْبَابِ الزُّرُوعِ، ورعي الليل مضموناً بالوجوب، للحفظ فِيهِ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي.
وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقِيَاسِ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ أَنَّ النَّهَارَ زَمَانٌ لَا يُنْسَبُ أرباب المواشي فيه إِلَى التَّفْرِيطِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ ضَمَانُ ما أفسدته قياساً على غير الزروع.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ، أَنَّ اللَّيْلَ زَمَانٌ، يُنْسَبُ أرباب المواشي فيه إلى التفريط؛ فوجب أن يلزمهم الضمان مَا أَفْسَدَتْ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الزُّرُوعِ.
وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقِيَاسِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ أَنَّهَا بَهَائِمُ أَفْسَدَتْ مَالًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ مُعْتَبَرًا بِجِهَةِ التَّفْرِيطِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الزُّرُوعِ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ.
فَأَمَّا جَوَابُ مَنْ أَسْقَطَ الضَّمَانَ لِقَوْلِهِ " الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرِّوَايَةَ " جرح العجماء) ، وَالْجَرْحُ لَا يَكُونُ فِي رَعْيِ الزُّرُوعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَعْيِ النَّهَارِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى رَعْيِ النَّهَارِ فَالْمَعْنَى فِي النَّهَارِ عَدَمُ التَّفْرِيطِ، وَفِي اللَّيْلِ وُجُودُ التَّفْرِيطِ، فَافْتَرَقَا، وأما جواب من أوجب الضمان لقوله: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) فَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حِفْظِ أَمْوَالِ أَرْبَابِ الزُّرُوعِ بِأَوْلَى مِنَ اسْتِعْمَالِهِ فِي حِفْظِ أَمْوَالِ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِتَكَافُؤِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى رَعْيِ اللَّيْلِ، فَالْمَعْنَى فِي اللَّيْلِ وُجُودُ التَّفْرِيطِ وَفِي النَّهَارِ عَدَمُهُ.
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذكرنَا مِنْ سُقُوطِ الضَّمَانِ فِي النَّهَارِ، وَوُجُوبِهِ فِي اللَّيْلِ فَتَكَاثَرَتِ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ، حَتَّى عَجَزَ أَرْبَابُ الزُّرُوعِ عَنْ حِفْظِهَا، فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَرْبَابِ الزُّرُوعِ تَقْصِيرٌ فِي الْحِفْظِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي؛ تَفْرِيطٌ فِي الْحِفْظِ.
وَعَلَى هَذَا لو أحرز أرباب المواشي مواشيهم في الليل، فَغَلَبَتْهُمْ، وَنَفَرَتْ فَرَعَتْ فِي اللَّيْلِ زَرْعًا، فَفِي وجوب الضمان وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي تَفْرِيطٌ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أرباب الزروع تقصير.