الضَّرْبِ وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ لَمْ يخل حالها من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أَنْ يَكُونَ عَنْ أَمْرِ الْإِمَامِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْجَلَّادِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِ الْجَلَّادِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دون الإمام.
والقسم الثالث: أن يضرب الجلاد وَالْإِمَامُ يَعُدُّ فَأَخْطَأَ الْإِمَامُ فِي عَدَدِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْجَلَّادِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَنْسُوبَةٌ إلى العدد، فصار الضَّمَانُ عَلَى الْعَادِّ دُونَ الْجَلَّادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي: " وَإِذَا خَافَ رَجُلٌ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ فَالْعَقْلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِبَاحَةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إِذَا خَافَ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ أَنْ يَضْرِبَهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المضاجع واضربوهن} .
وَهَذَا الضَّرْبُ مُبَاحٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ. وَالِاسْتِصْلَاحِ. لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ أَدْنَى الْحَدِّ، فَصَارَ أَكْثَرُهُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ كَالتَّعْزِيرِ. فَأَمَّا جِنْسُ مَا يُضْرَبُ بِهِ فَهُوَ الثَّوْبُ وَالنَّعْلُ، وَأَكْثَرُهُ الْعَصَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالسَّوْطِ؛ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْعُرْفِ وَلِنَقْصِهِ عَنْ أَحْكَامِ الْحُدُودِ. فَإِنْ ضَرْبَهَا فَأَفْضَى الضَّرْبُ إِلَى تَلَفِهَا. . رُوعِيَ الضَّرْبُ، فَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنِ الْعُرْفِ مُتْلِفًا مِثْلُهُ فِي الْغَالِبِ، فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا عَلَى الْعُرْفِ غَيْرَ مُتْلِفٍ فِي الْغَالِبِ، كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، تتحملها عنه الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ أُبِيحَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِصْلَاحِ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ به مضموناً، كما ضمن عمر جنين المجهضة؛ لأن الاستصلاح يَكُونُ مَعَ بَقَاءِ النَّفْسِ، فَإِذَا صَارَ مُتْلِفًا لم يكن استصلاحاً.
فإن قيل: فيقتصر عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَكُونَ الرَّامِي لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ شِقَّ بَابٍ، فَقَلَعَ عَيْنَهُ أَنْ يَضْمَنَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَبَاحَ الرَّمْيَ اسْتِصْلَاحًا قِيلَ لَا يَضْمَنُ عَيْنَهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الرَّمْيِ قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْعَيْنِ فَلَمْ يَضْمَنْهَا وَلَيْسَ كَالضَّرْبِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْبَدَنِ.
فَإِنْ قِيلَ: عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَنْ دَفَعَ رَجُلًا عَنْ نَفْسِهِ بِضَرْبٍ أَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ أَنْ يَكُونَ ضامناً لنفسه لأن ضربه يَتَعَيَّنُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ، قِيلَ: لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُبَاحٌ لَهُ إِذَا كَانَ لَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَمْ يَكُنْ كَغَيْرِهِ مِنْ ضَرْبِ التَّأْدِيبِ الْمَقْصُورِ عَلَى الِاسْتِصْلَاحِ، وهكذا ضرب المعلم والأب للصبي؛ لأن