فيه نص كحد الزنا بشهادة الراويان وَحَدِّ الْقَذْفِ بِالتَّعْرِيضِ فَالضَّمَانُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ الْقَوَدَ فِيهِ وَاجِبٌ لِأَجْلِ النَّصِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِمَامُ وُجُوبَهُ وَيَعْتَقِدَ الْجَلَّادُ حَظْرَهُ فَإِنْ أُكْرِهَ الْجَلَّادُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْإِمَامِ لِاجْتِهَادِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَلَّادِ لِإِكْرَاهِهِ، وَإِنْ لَمْ يُكْرَهِ الْجَلَّادُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الإمام، وفي ضمانه عَلَى الْجَلَّادِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ لِحُكْمٍ نَفَذَ بِاجْتِهَادٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِإِقْدَامِهِ مُخْتَارًا عَلَى اسْتِهْلَاكِ مَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ ضَمَانِهِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِمَامُ حَظْرَهُ وَيَعْتَقِدَ الْجَلَّادُ وُجُوبَهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرُدَّهُ الْإِمَامُ إِلَى اجْتِهَادِ الْجَلَّادِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَمَّا الْإِمَامُ فَلِعَدَمِ فِعْلِهِ وَأَمَّا الْجَلَّادُ: فَلِنُفُوذِ اجْتِهَادِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ بِهِ، وَلَا يَرُدَّهُ إِلَى اجْتِهَادِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَلَّادِ، سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ غَيْرَ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ بِإِذْنٍ مُطَاعٍ مَا يَرَاهُ مُسَوَّغًا فِي الِاجْتِهَادِ. فَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يُكْرِهِ الْجَلَّادَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ ضَمِنَ. لِأَنَّهُ اتجاه إِلَى مَا لَا يُسَوَّغُ فِي اجْتِهَادِهِ. وَاللَّهُ أعلم.
قال الشافعي: وَلَوْ قَالَ اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أن عليهما نصفين كَمَا لَوْ جَنَى رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَه وَالْآخَرُ بِثَمَانِينَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْ وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نَظَائِرِهَا وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ ثَمَانُونَ فيضربه الجلاد أحداً وَثَمَانِينَ فَيَمُوتُ فَهَذَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مات من نوعي إِبَاحَةٍ وَحَظْرٍ، وَقَدْ شَبَّهَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْجِنَايَاتِ.
وَالْقَوْلُ الثاني: أن يَضْمَنَ جُزْءًا مِنْ وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنَ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ