لأنه أخف، ثم حد الزنا آخرها؛ لأنه أغلظ جلد في حق الله تعالى فَصَارَ آخِرَهَا، وَيُمْهَلُ بَيْنَ كُلِّ حَدَّيْنِ حَتَّى يَبْرَأَ إِذَا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مُنْحَتِمٍ كَالْقَتْلِ في غير الحرابة؛ لأن لا يُوَالى عَلَيْهِ بَيْنَ الْحُدُودِ فَيَتْلَفَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِهَا، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ مُنْحَتِمًا كَالْقَتْلِ فِي الْحِرَابَةِ وَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا فَفِي الْمُوَالَاةِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْحُدُودِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُوَالَى؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا لِلْبُرْءِ مَعَ انْحِتَامِ الْقَتْلِ غَيْرُ مُفِيدٍ. وَالْوَجْهُ الثاني: يهمل بَيْنَ الْحَدَّيْنِ حَتَّى يَبْرَأَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مُنْحَتِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ بِالْمُوَالَاةِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا.
ثُمَّ يُعْدَلُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْجَلْدِ إِلَى قَطْعِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْقَتْلِ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ مُسْتَحَقٌّ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ: قَوَدٌ فِي جِنَايَةٍ، وَقَطْعُ يَدٍ فِي سَرِقَةٍ، وَقَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ فِي حِرَابَةٍ، فَيَكُونُ قَوَدُ الْجِنَايَةِ مَوْقُوفًا عَلَى خِيَارِ مُسْتَحِقِّهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْعَفْوَ عَنْهُ إِلَى مَالٍ سَقَطَ حُكْمُهُ وَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لسرقته وحرابته، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى لِحِرَابَتِهِ، وَجُمِعَ بَيْنَ قَطْعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ مُسْتَحَقًّا فِي الْحِرَابَةِ فَلَا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ حَدَّهُ الصَّلْبُ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَإِنِ اخْتَارَ مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ الْقِصَاصَ قَدَّمَهُ عَلَى قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ، لأن مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، ثَمَّ رِجْلُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ كَالْمُوضِحَةِ في الرأس واللسان والذكر، ويسرى اليد ويمنى الرجل أمهل بعد القصاص حتى يبرأ مما قطع بالسرقة وَالْحِرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا فِي أَعْضَاءِ السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ كَالْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى قُطِعَتْ قِصَاصًا، فإن كان اليد اليمنى دخل في الاقتصاص مِنْهَا قَطْعُ السَّرِقَةِ وَقَطْعُ الْحِرَابَةِ، وَقُطِعَتِ الرِّجْلُ الْيُسْرَى لِلْحِرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْقِصَاصِ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى دَخَلَ فِيهَا قَطْعُ الْحِرَابَةِ وَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِلسَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْقِصَاصِ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى دَخَلَ فيها قَطْعُ السَّرِقَةِ وَقَطْعُ الْحِرَابَةِ.
(فَصْلٌ)
ثُمَّ يُعْدَلُ بَعْدَ الْقَطْعِ إِلَى الْقَتْلِ وَلَا يُمْهَلُ إِلَى الِانْدِمَالِ، وَالْقَتْلُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ قَوَدٌ مُنْحَتِمٌ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي الْحِرَابَةِ، وَقَوَدٌ غَيْرُ مُنْحَتِمٍ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ، وَرَجْمٌ فِي زِنَا ثَيِّبٍ، وَقَتْلٌ بِرِدَّةٍ، أَوْ تَرْكُ صَلَاةٍ، فَيُقَدَّمُ قَتْلُ الْقَوَدِ فِي الْحِرَابَةِ وَغَيْرِ الْحِرَابَةِ عَلَى الرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَالْقَتْلِ بالردة، سواء تقدم أو تأخر؛ لما تضمنهما مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي قَتْلِ القود في الحرابة والقود في غير الحرابة أيهما يقدم، فإن، قَتْلُ الْحِرَابَةِ انْحَتَمَ قَتْلُهُ قَوَدًا فِي الْحِرَابَةِ وصلب وبعد قَتْلِهِ إِنْ أَخَذَ الْمَالَ فِي الْحِرَابَةِ، وَكَانَ لِوَلِيِّ الْقَوَدِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ أَنْ يَرْجِعَ بِالدِّيَةِ وَيَسْقُطُ رَجْمُ الزِّنَا وَقَتْلُ الرِّدَّةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَتْلُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ على الْقَتْلِ فِي الْحِرَابَةِ قُدِّمَ الْقَوَدُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ لتقدمه على القود في الحرابة لتأخره، وَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى خِيَارِ وَلِيِّهِ، فَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى الْمَالِ حُكِمَ بِهِ فِي مَالِ الْمُحَارِبِ وَقُتِلَ لِلْحِرَابَةِ قَوَدًا مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ طَلَبَ الولي